للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صاحبة، ولذلك يقولون: احتج عليهم القرآن بقوله: «أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ» . فدل هذا على أن انتفاء الصاحبة أمر مسلم، وفي قصة إسلام طلحة أنه جاء وجماعة معه إلى أبي بكر، فقال: أدعوك إلى عبادة اللات والعزى، فقال أبو بكر: واللات والعزى؟ فقال طلحة: بنات الله، فقال أبو بكر: ومن أمهم؟ فأسكت طلحة، ثم قال لأصحابه: أجيبوا الرجل، فأسكتوا، فأسلم طلحة.

فأما قول الله عز وجل: «وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبا» ، فالمراد بالجنة هاهنا: الملائكة، والمعنى أنهم جعلوا الملائكة بنات له، وما روي أنهم كانوا يقولون إن أمهاتهم بنات سروات الجن، ولم يصح، ولوصح لكان الظاهر أنهم اخترعوا هذا بعد قصة طلحة، واللات والعزى ومناة كانت عندهم أسماء لتلك الإناث التي زعموا أنها بنات الله، ثم جعلوا لتلك الإناث تماثيل وسموها بأسمائها، كما جرت به عادة المشركين في أصنامهم، بل عادة الناس جميعاً في إطلاقهم على التمثال والصورة اسم من يرون أن ذلك ثمثال أو صورة له. وبهذا التحقيق يتضح معنى آيات النجم، وقد أوضحت ذلك في كتاب (العبادة) بما يثلج الصدر. والحمد لله.

والمقصود هنا أن الذي يظهر من الآثار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صارح المشركين بإبطال قولهم في الإناث التي يجعلونها آلهة من دون الله، يزعمون أنها الملائكة، وأنها بنات الله، ويمثلون التماثيل بأسمائها ويعظمونها تعظيماً لها، وصارحهم بنتزيه الله عن الولد، قالوا: أنسُب لنا ربك، طمعاً منهم أن يجيبهم بما يستخرجون منه شبهة يشدون بها قولهم، فأنزل الله تعالى هذه السورة.

فأما تحقيق معناها فلفظ «أحد» زعم ابن سينا ومن وافقه أنه الواحد من جميع الوجوه المنزه «عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة» . وهذا ما نقلوه من عباراته المموهة. وهو ومن وافقه يوهمون أنهم إنما يجتهدون في تنزيه في تنزيه عز وجل، وهو في نفس الأمر بعيد عن ذلك، كما يعلم من نفيهم صفات الكمال عنه، وإنما غرضهم توجيه وجوده تعالى، أي وُجُودُه من غير علة. وبعبارة

<<  <   >  >>