ثم نكس فقال:«نعم في إفادتها اليقين في العقليات نظر لأنه مبني على أنه هل يحصل بمجردها الجزم بعدم المعارض العقلي؟ وهل للقرينة مدخل في ذلك؟ وهما مما لا يمكن الجزم بأحد طرفيه» .
أقول لا ريب أنه من التيسر في كثير من الكلام إن لم نقل في أكثره أن يحصل القطع بالمعنى الذي حقه أن يفهم منه، وإنكار هذا مكابرة، فم إذا حصل القطع بهذا في كلام من يمتنع عليه الغلط حصل القطع بأنه أراد أن يكون الكلام كذلك، أي حقه
أن يفهم من ذاك المعنى، فإذا كان ممتنعاً عليه قطعاً أن يكذب خطأ ولا عمداً حصل القطع بصحة ذاك المعنى فيحصل القطع باستحالة أن يوجد دليل عقلي صحيح على بطلان ذاك المعنى.فمن زعم أن النصوص لا يحصل بها القطع بعدم المعارض العقلي فإما أن يكون جاهلاً بقوانين الكلام، وإما أن يكون يكذب المتكلم بالنصوص، فأما زاد على هذا فرد بعض تلك النصوص أو حرفها إلى غير المعاني التي يعلم أن حقها بحسب قانون الكلام منها فهو مكذب للمتكلم بها ولابد.
ومن وقف عن نفي حصول القطع وإثباته مع معرفته بقوانين الكلام فإن كان واقفاً في المسائل التي يختلف فيها السلفيون وغيرهم أو غالبها، فهو غير جازم بتصديق المتكلم بالنصوص وإن كان يرد كثيراً من تلك النصوص أو يحرفها، فلا معنى لوقفه بل هو مكذب البتة، فإن قيل قد يخطئ في فهم النصوص التي خالفها.
قلت: إنما يتجه الحمل على الخطأ حيث يقل ويكون الغالب الصواب، ومع ذلك فهذا إنما يفيد الجزم بالتصديق، فأما المرتاب فسواء أخطأ أم تعمد.
فأما القرآئن فهي على ضربين:
الضرب الأول: ما هو كالجزء من الكلام بأن ينصبه المتكلم أو يلاحظ تتميماً لمقصود الكلام وهو الإفهام، فتارة تكون فائدتها تأسيسية , ذلك حيث يتوقف عليها الفهم أو تعيين المراد أو تبيينه، وتارة تكون تأكيدية وذلك حيث توافق ما