للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقعوده أدنى ظن، فصلاً عن الظن الغالب، فضلاً عن العلم، فأما إذا كانوا يعتقدون أنه لا يفعل شيئاً لأجل شيء فالأمر أشد. فثبت أن الذين يعلمون أن المعجزة من فعل الله عز وجل وإنما يصدقون لا اعتقادهم أن الله تعالى منزه عن أن يقع منه الكذب أو فعل مناقض للحكمة، وهذا الاعتقاد هو مقتضى الفطر الزكية والعقول النقية وهو اعتقاد كل من يؤمن حق الإيمان بوجود الله تعالى وكمال علمه وقدرته حتى من الأشاعرة أنفسهم، يعتقدون ذلك بمقتضى فطرهم، وإن أنكروا بألسنتهم.

[تنزيه الأنبياء عن الكذب]

من المعلوم من الدين بالضرورة أن الأنبياء صادقون في كل ما أخبروا به عن الله عز وجل، وأن من كذب نبياً في خبر من ذلك فقد كفر، ومعلوم أن جميع ما أخبر به الأنبياء في شؤون الدين فهو إخبار عن الله عز وجل، وهذا من الوضوح عند المسلمين بحيث يستغني عن إيراد حججه.

فإن قيل: قد جوز بعض الناس أن يقول النبي في الدين باجتهاده، ومن هؤلاء من جوز أن يخطئ النبي لكنه إن أخطأ نبهه الله عز وجل فوراً، ولعل من يجيز من هؤلاء تأخير البيان إلى وقت الحاجة يجيز تأخير التنبيه إلى وقت الحاجة.

قلت: إن جاز الخطأ فإنما يخبر النبي بأنه يظن، ومن قال: أظن كذا، إنما أخبر بأنه يظن، فإذا كان يظن ما ذكر فقد صدق، فإن بان خطأ ظنه لم يقل له: كذبت، وإن قيل: كذب ظنك، فأما الأمور الدنيوية فخبر الأنبياء عنها إن تضمن خبراً عن الله عز وجل فكالأمور الدنيوية، وإلا فالمعروف بين أهل العلم من المسلمين أن الأنبياء معصومون عن تعمد الكذب فيها، وأو رد على ذلك كلمات إبراهيم عليه السلام. وفي (الصحيحين) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ... » فذكر تلك الكلمات، وفي (مسند أحمد) من حديث ابن عباس نحوه، وفي (الصحيحين) من حديث أنس مرفوعاً ذكر فزع الناس إلى الأنبياء يوم

<<  <   >  >>