القيامة يسألونهم الشفاعة، فيأتون آدم فنوحاً فإبراهيم فموسى فيعتذر كل من هؤلاء بتقصير كان منه في الدنيا، فيذكر آدم أكله من الشجرة، وموسى قتله النفس. وفيه في ذكر إبراهيم:«فيقول: لست هناكم - ويذكر خطيئته» . زاد مسلم:«التي أصاب فيستحي ربه منها» وفي رواية للبخاري في «كتاب التوحيد» : فيقول: لست هنا كم - ويذكر خطاياه التي أصابها» وفي أخرى:«ويذكر ثلاث كذبات كذبهن» وفي (الصحيحين) من حديث أبي هريرة مرفوعاً وفيه قول إبراهيم في عذره: «إن ربي قد غضب اليوم ... وإني كنت كذبت ثلاث كذبات» لفظ البخاري في تفسير سورة (الإسراء) ، ولفظ مسلم:«إن ربي قد غضب اليوم ... ، وذكر كذباته» وقد جاء الحديث من رواية جماعة آخرين من الصحابة. فإطلاق الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام على تلك الكلمات «كذبات» يدفع أن تكون من المعاريض التي لا راحة للكذب فيها. ويؤكده أن نبينا كان شديدا التقير لأبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وصح عنه أنه قال:«نحن أولى بالشك من إبراهيم ... » وقال له رجل: يا خير البرية، فقال:«ذاك إبراهيم» فكيف يظن به أن يقول: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» وه يعلم أنها ليس من الكذب في شيء، مع أنه تحرى في هذا الحديث الثناء على إبراهيم فبين أنه لم يقع منه كذب إلا تلك الثلاث ثم قال:«ثنتين منهم في ذات الله عز وجل، وقوله: «إِنِّي سَقِيمٌ» وقوله: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا» ، وقال: بينا هو ذات يوم وسارة (يعني امرأته) إذ أتي على جبار من الجبابرة ... » .
فإن قيل: قد يكون الكلام من تأكيد المدح بما يشبه الذم كقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
قلت: إنما يحسن مثل هذا حيث يكون المستثنى واضح من المستثنى منه، وليس الأمر هنا كذلك، وقد سماها في الحديث الآخر «خطايا» ونظمها في سلك أكل آدم من الشجرة وقتل موسى للنفس، وحكم إبراهيم بأنها تقصر به عن مقام الشفاعة، وتتقضى إستحياءه من ربه لأجلها فالجواب عن تلك