للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلمات بأنها ليس بكذب كما ترى.

وثم وجب آخر وهو أن تلك الكلمات وقعت من إبراهيم عليه السلام قبل نبوته، وكما أن قتل موسى للنفس كذلك فقد قص الله تعالى عنه أنه ذُكر بتلك الفعلة فقال: «قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ. فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ» الشعراء: ٢٠-٢١.

وقريب من ذلك حال آدم، فإن أكله من الشجرة كان في الجنة قبل النبوة المعتادة.وقد قال الله تعالى في القصة التي ذكر فيها قول إبراهيم: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا» ، وهي إحدى الكلمات: «قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ... قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ» الأنبياء: ٥٩ - ٦٣.

والكلمة الثانية وهي قوله: «إِنِّي سَقِيمٌ» ، كانت قبل ذلك.

فأما الثالثة وهي قوله: «هي أختي» فالظاهر والله أعلم أنها بعد ذلك، ولكن في سياق القصة ما قد يشعر بأنها كانت قبل النبوة، فإطلاقهم عليه «فتى» ظاهر في أنه يومئذ لم يبلغ أربعين سنة، فإن الفتى هو الشاب الحدث كما في (المصباح) ، وقد صرح كثير من أهل العلم أن الأنبياء إنما نبئوا بعد بلوغ كل منهم أربعين سنة كما وقع لنبينا عليه الصلاة والسلام، ز جزم به القاضي أبوبكر ابن العربي وآخرون، وتاولوا ما في قصتي يحيى وعيسى، وقال قوم: إن ذلك هو الغالب.

فإن قيل: فإن اثنتين من تلك الكلمات وقعتا في صدد دعوته قومه إلى التوحيد، والثالثة يظهر أنها بعد ذلك، فكيف يدعوقبل النبوة؟

قلت: قد كان هداه الله تعالى من صباه بتوجيه نظره إلى الآيات الكونية، قال الله عز وجل: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» . ثم ذكر القمر والشمس «فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا

<<  <   >  >>