وقال عز وجل:«وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» العنكبوت: ٦
وفي (صحيح مسلم) وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسُكُم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لوأن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، لوأن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لوأن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أو فيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» .
فنستطيع أن نفهم من هذا كله أن الله تبارك وتعالى اقتضى كمال جوده أن يجود بالكمال إلى الحد الممكن، ولا يفي بهذا أن يخلق خلقاً كاملين، فإنما ذلك بمنزلة خلقهم حسان الصور، وذاك كمال يتمحض فيه الحمد للخالق من كل وجه، ولا يحمد عليه المخلوق البتة، فلا يعتد به كمالاً، وكذلك أن يخلقهم غير كاملين ويجبرهم على الكمال، فإنما الحمد منوط بالإختيار. وقريب من هذا أن يخلقهم غير كاملين ولا مجبورين وييسر لهم اختيار الكمال بحيث لا يكون فيه مشقة عليهم، فإن المخلوق إنما يحمد على اختيار الكمال حيث يكون عليه فيه مشقة، وكلما كانت