واليوم الآخر، ونؤمن بالقدر خيره وشره» أخرجه مسلم عن ابن عمر، (٢) وعليه جمهور أهل السنة، وهؤلاء الصالحون باعتقادهم ذلك الاعتقاد أصبحوا على موافقة المعتزلة أو الخوارج حتماً، إن كانوا يعدون خلاف اعتقادهم هذا بدعة وضلالة، لأن الإخلال بعمل من الأعمال - وهو ركن الإيمان - يكون إخلالاً بالإيمان، فيكون من أخل بعمل خارجاً من الإيمان، إما داخلاً في الكفر كما يقوله الخوارج، وإما غير داخل فيه، بل في منزلة بين منزلتين - الكفر والإيمان - كما هو مذهب المعتزلة، وهو من أشد الناس تبرؤاً من هذين الفريقين، فإذا تبرموا أيضاً مما كان عليه أبي حنيفة وأصحابه وباقي أئمة هذا الشأن يبقى كلامهم متهافتاً غير مفهوم، وإما إذا عدوا العمل من كمال الإيمان فقط، فلا يبقى وجه للتنابز والتنابذ، لكن تشددهم هذا التشدد يدل على أنهم لا يعدون العمل من كمال الإيمان فحسب، بل يعدونه ركناً منه أصلياً، ونتيجة ذلك كما ترى ... فإرجاء العمل من أن يكون من أركان الإيمان الأصلية هو السنة، وأما الإرجاء الذي يعد بدعة، فهو قول من يقول: لا تضر مع الإيمان معصية، وأصحابنا أبرياء من مثل هذا القول ... ولولا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في هذه للزم إكفار جماهير المسلمين غير المعصومين، لإخلالهم من الأعمال في وقت من الأوقات، وفي ذلك الطامة الكبرى» .
أقول: اختلفت الأمة فيمن كان مؤمناً ثم ارتكب كبيرة. فقالت الخوارج: يكفر، وقالت المعتزلة: لا يكفر ولكن يزول إيمانه، وإذا مات من غير توبة دخل النار وخلد فيها مع الكفار، وقالت المرجئة لا يكفر ولا يزول إيمانه ولا يدخل النار، لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وقال أهل السنة: لا يكفر، ولا يزول إيمانه البتة بمجرد ارتكابه الكبيرة ولكنه يكون ناقصاً، وقال بعض الأئمة: إلا ترك الصلاة المكتوبة عمداً فإنه كفر، وحقق بعض إتباعهم أن الترك نفسه
(١) كذا الأصل، أعني «التأنيب» وهو خطأ، والصواب: «عمر بن الخطاب» فإنه من مسنده عند مسلم وغيره، وإنما رواه ابن عمر عنه، فتوهم الكورثي أنه من مسند ابن عمر. ن