للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنقه إذا سجد لربه، وهذا يضع سلى (١) الجزور على ظهره وهو ساجد، وهذا يأخذ بمجامع ثوبه ويخنقه، وهذا ينخس دابته حتى تلقيه (٢) ، وهذا عمه يتبعه أنى ذهب يؤذيه ويحذر الناس منه ويقول: إنه كذاب، وإنه مجنون، وهؤلاء (٣) يغرون به السفهاء فيرجمونه حتى تسيل رجلاه دماً، وهؤلاء يحصرونه وعشيرته مدة طويلة في شعب ليموتوا جوعاً، وهؤلاء يعذبون من اتبعه بأنواع العذاب، فمنهم من يضجعونه على الرمل في شدة الرمضاء ويمنعونه الماء، ومنهم من ألقوه على النار حتى ما أطفأها إلا ودك ظهره، ومنهم امرأة عذبوها لترجع عن دينها فلما يئسوا منها طعنها أحدهم (٤) بالحربة في فرجها فقتلها، (٥) كل ذلك لا لشيء إلا أنه يدعوهم إلى أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن سخط الله إلى رضوانه، ومن عذابه الخالد إلى نعيمه الدائم، ولم يلتفوا إلى ذلك مع وضوح الحجة، وإنما كان همهم أنه يدعوهم إلى خلاف هواهم. ومن وجه آخر ابتلى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن قبض أبويه صغيراً ثم جده ثم عمه الذي


(١) السلا: غشاء جنين البهيمة. م ع
(٢) نخس الدابة كان لزينب بنت الرسول فسقطت عنها وأجهضت حينما هاجرت رضي الله عنها م ع
يقول المؤلف: بل روي مثل ذلك في شأن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، راجع ترجمة ضباعة بنت عامر من «الاصابة» . قلت: لكن في إسناد الرواية المشار إليها الكلبي وهو متهم! ن
(٣) هم كبراء الطائف عندما عرض نفسه عليهم ليحموه من قريش فردوا عليه رداً قبيحاً وأغروا به السفهاء. م ع
(٤) أبو جهل قبحه الله، والمرأة سمية أم عمار. م ع
(٥) من تدبر هذه الحال علم أنها من أعظم البراهين على صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوة، فإن العادة تحيل أن يقدم مثله في أخلاقه وفيما عاش عليه أربعين سنة لما يعرضه لذلك الإيذاء ثم يصبر عليه سنين كثيرة وله مندوحة، ولهذا كان العارفون به من قومه لا ينبسونه إلى الكذب وإنما يقولون: مسحور، مجنون. قال الله تعالى: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) . المؤلف

<<  <   >  >>