أما قول الغزالي:«فإن المستقل بالنظر الذي يستوي ميله في نظره إلى الكفر والإسلام عزيز» . فقد ينكر هذا عليه ويقال: كيف يمدح من يستوي ميله في نظره إلى الباطل والحق؟ ! ويجاب عن هذا بأن مقصوده أن أكثر المتكلمين يميلون إلى الإسلام بدون استيقان منهم أنه الحق، بل عليه فألفوه واعتادوه، ولذلك، يرى من نشأ على اليهودية أو النصرانية أو غيرهما يميلون إلى ما نشأو اعليه مع أنه باطل في نفس الأمر.
لكني أقول: أما أئمة السنة الذين وفوا بشرط الله عز وجل من التسليم والخضوع
والطاعة له، فلا شأن لهم في هذا لأنهم قد تعرضوا لأن يكتب الله في قلوبهم الإيمان، ويؤيدهم بروح منه، ويزيدهم هدى، ويزيدهم هدى، ويرزقهم النور اليقين، فقنعوا بالمأخذين السلفيين، واهتدوا بها عن بصيرة ويقين، ومن اختار ما علم أنه الحق، وثبت عليه، وأعرض من الشبهات، ولا يقال إنه غير مستقل إنه غير مستقل بالنظر، كما إن النظار المستقلين قطعوا بالبديهيات، وأجابوا عن الأمور التي أو ردها القادحون بما تقدم. وكما أن الغزالي وهو يرى أنه مستقل بالنظر قال: إنه أيقن بالضروريات بدون دليل، بل بنور قذف في صدره، وأنه حصل له الإيمان بالله تعالى، وبالنبوة، واليوم الآخر بدون دليل محرر، بل بأسباب وقرائن وتجارب لا تحصى، ولا ريب أنه لا يمكنه أن يشرح ما حصل له للخصم شرحاً وافياً يحصل للخصم اليقين.
بل أقول: إن عامة المسلمين المحبين الخاضعين له، الذين يغلب عليهم التقوى والطاعة هم ممن تعرض لذاك النور، وذلك التأييد وتلك الهداية، وكثير منهم لهم من اليقين الحقيقي الناشيء عن الفطرة والنظر العادي، واجتماع أمور كثيرة يفيد مجموعها اليقين مع عناية الله عز وجل وتأييده ما ليس لأكابر النظار، (١) وذلك
(١) ثم رأيت نقلاً عن (فيصل التفرقة) للغزالي عبارة طويلة تراها في (روح المعاني) ج ٨ ص ١١٩ فيها «لست أنكر يجوز ان يكون ذكر أدلة المتكلمين أحد أسباب =