المحارب فلو وقع منه شيء مما يقال إنه كذب في الحرب لجر ذلك إلى الارتياب في كثير من أخباره، إذ يقال: لعله كايد بها المشركين، لعله، لعله.
ومنها أن الناس يقيسون فيقولون إنما ساغ ذلك في الحرب للمصلحة، فينبغي أن تكون هي المدار فيسوغ مثل ذلك للمصلحة ولو في غير الحرب فيرتابون في أكثر أخباره صلى الله عليه وآله وسلم حتى في الدين.
ومنها أنه فتح باب للمحدثين ولكل من غلبه هواه، ولا يشاء أحدهم أن يندفع نصاً من النصوص النبوية إلا قال: إنما كان للمصلحة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم. وهلم جراً، فيصبح الدين ألعوبة كما وقع فيه الباطنية.
إلى غير ذلك من المفاسد التي تكون صغراها أكبر جداً من جميع المفاسد التي كانت تعرض في حروبه صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يمكنه أن يدفعها ببعض ما يقال: أنه كذب. فوجب أن تكون كلماته كلها حقاً وصدقاً.
فأما الخطأ فلا ريب أن الأنبياء قد يخطئ ظنهم في أمور الدنيا، وأنهم يحتاجون إلى الأخبار بحسب ظنهم، لكنهم إذا احتاجوا إلى ذلك فإنما يخبر أحدهم بأنه يظن وذلك - كما تقدم - صدق، وحتى على فرض خطأ الظن، فمن ذلك ما جاء في قصة تأبير النخل، نشأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وليست بأرض نخل، ورأى عامة الأشجار تثمر ويصلح ثمرها بغير تلقيح، فلا غروظن أن الشجر كلها كذلك، فلما ورد المدينة مر على قوم يؤبرون نخلاً، فسأل فأخبروه فأخبروه، فقال:«ما أظن يغنى ذلك شيئاً» وفي رواية «لعلكم لولم تفعلوا كان خيراً» فتركوه، فلم يصلح، فبلغه صلى الله عليه وآله وسلم فقال:«إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله» .
وفي رواية «إنما أنا بشر أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أن بشر. أو كما قال» أخرج مسلم الرواية الأولى من حديث