النووي: الظاهر إباحة الكذب حقيقة في الأمور الثلاثة، لكن التعريض أولى ... ولا يعارض ذلك ما أخرجه النسائي ... في قصة عبد الله بن سعيد بن أبي سرح ... » ثم قال ابن حجر:«والجواب المستقيم أن نقول: المنع مطلقاً من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يتعاطى شيئاً من ذلك وإن كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، فإن المراد أنه كان يريد أمراً فلا يظهره، كأن يريد أن يغزووجهة الشرق فيسأل عن أمر في جهة الغرب ويتجهز للسفر ... » .
أقول: كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد غزوة شرع في التجهيز وأمر أصحابه بذلك، فقد تكون هناك قرينة تشعر بالجهة التي يريد، وقد يكون هناك جاسوس لأهل تلك الجهة، فإذا رأى التجهز وعرف تلك القرينة أسرع فأنذرهم فتحرزوا، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما يدافع تلك القرينة ليلتبس الأمر على الجاسوس، فأما أن يتأخر ليعرف الحال فيسبقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وإما أن يرجع إلى جهته فيخبرهم بأمر محتمل فلا يقوى الباعث لهم على التحرز. فإن التوريه تحصل بهذا وليس من لازمها أن يكون ما يقوله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهراً في غير ما في نفسه.
واختصاص النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون أفراد أمته بوجوب تنزهه عن كل ما يقال إنه كذب حكم معقول المعنى، لأن وقوع مثل ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم لا ينفعك عن احتمال ترتب المفاسد عليه.
منها أنه لو ترخص في بعض المواضع لكان ذلك حاملاً على اتهامه في الجملة فيجر ذلك إلى ما عدى ذاك الموضع، وهو صلى الله عليه وآله وسلم مبلغ عن الله فوجب أن لا يكون منه ما قد يدعوإلى اتهامه ولو في الجملة.
ومنها أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل منذ بعثه الله تعالى محارباً أو في معنى