إذا بحث فلم يجد قرينه لم يقطع بظاهر النص، فلا بد أن يظنه، ولا يستطيع أن يدفع الظن عن نفسه، ومع الظن فلا بد أن يحمد من أصحاب المقالات من يوافق ذاك الظن، ويذم من خالفه لغير حجة صحيحة.
وبالجملة فمن تدبر القرآن والسنة وآثار السلف لم يخف عليه الحق في كثير منها، وأنه
لا يمنعه عن القطع والإستيقان إن منعه إلا الشبهات المحدثة المبنية على التعمق، فأما من يقوي إيمانه ولا يبالي بتلك الشبهات، فإنه يقطع بدلالة كثير من تلك النصوص ويؤمن بها، وأما من لا إيمان له وهو مفتون بالشبهات فإنه يقطع بتلك الدلالة ويكفر بها.
وأما الذين يكونون كما قال الله عز وجل:«مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ» فقد عرفت حالهم، ووراء ذلك أقوام يجهلون ما عليه العقول الفطرية كعقول المخاطبين الأولين أو يتجاهلون، ويغفلون عن قوانين البيان أو يتغافلون، ولا يعرفون وهن النظر المتعمق فيه، أو يعرفون وينكرون، ولا يتدبرون النصوص فيعرفون دلائلها القواطع، أو يتدبرون ويجحدون «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» .
وبالجملة فأسلافنا على ثلاث طبقات:
الأولى: من ضح لنا اعتصامه بالكتاب والسنة فهؤلاء الذين نتولاهم.
الثانية: من وضح لنا تهاونه بالكتاب والسنة فعلينا أن نتبرأ منهم.
الثالثة: قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يعفوعنهم ويعذرهم، وعلينا أن نحمد الله فيما أصابوا فيه، ونبرأ مما أخطأو افيه. والله المستعان.
فأما ما ذكره العضد من المعارض العقلي فقد علمت حاله في الكلام مع الرازي، وقوله:«والحق أنها قد تفيد اليقين بقرآئن مشاهدة أو متواترة» ففيه قصور شديد، بل قد تفيد اليقين من أوجه أخرى كما سلف.