للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخيط الأبيض من الخيط الأسود» ، مع أن خطأهم إنما كان لغفلتهم عن السياق والقرائن كما أوضحته في رسالة (أحكام الكذب) ، ومع ذلك كان خطأ أولئك الأفراد سبباً لإنزال الله عز وجل بقية الآية زيادة في البيان والإيضاح، فكيف يعقل أن يكون النص في العقائد ثم تخفى القرينة على جميع الصحابة ثم لا يبين الله لهم، أو يعرفها جماعة منهم ثم لا يبالون بنقلها، ولا يبعثهم الله تعالى على نقلهم نقلاً متواتراً يصل إليه علماء الرواية فيشيعونه ويذيعونه؟ ! ولا ريب أنه كما كان الصحابة مخاطبين بالنصوص فكذلك من بعدهم وكما تترتب المفسدة الشديدة على جهل الأولين بالقرينة فكذلك من بعدهم، غاية الأمر أن القرينة وإن كانت في حق المخاطبين الأولين لا بد أن تقترن بالنص فقد يجوز أن يستغني بعض النقلة باشتهارها فلا ينقلها مع النص، لكن لا يلزم من هذا ألان لا تنقل، بل لا بد من النقل لما تقدم، فإذا طلبها العلماء في مظانها فلم يجدوها، وحقها أن تنقل نقلاً متواتراً تواتراً يناله العلماء، قطعوا بأنها لم تنقل كذلك، فقطعوا بعدمها، فقطعوا بأن النص على ظاهره.

وليس الحال فيما يتعلق بالعقائد كالحال فيما يتعلق بالأحكام، فإن الأحكام يجوز فيها أن تنقل القرينة آحاداً فقط لأن الخطأ في ذلك أمر هين، وقد يكون الخطأ بالنظر إلى النصوص في الأحكام صواباً بالنظر إلى الحكمة، فإن القوانين الشرعية تبنى على الأغلب في الحكمة، ولكن الله تبارك وتعالى يتولى تطبيق الحكمة بقضائه وقدره، فكما فرض الله تعالى الحكم بشهادة العدلين، وقد يتفق أن يخطئ عدلان، لكن الله تبارك وتعالى يتولى في مثل هذا تطبيق الحكمة بقضائه وبقدره، فكذلك قد يعرف القاضي دليلاً عاماً فيقضى به، وهناك مخصص له لم يقف عليه، فهذا القضاء وإن كان خطأ بالنظر إلى نفس الأمر بحسب الدلائل، فلعله صواب عند الله عز وجل بمقتضى الحكمة في تلك القضية، فأما العقائد فعلى خلاف هذا إذا لا يعقل تغيير الحكمة فيها، وكما يضر فيها القطع بالباطل فقريب منه الظن، فهب أن العالم

<<  <   >  >>