للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» البقرة: ٢٠٠ - ٢٠٢.

فالفريق الأول هم الذين يكون جميع دعائهم وعبادتهم لطلب الدنيا فقط ولا شأن لهم بالآخرة، وهذا أنما يكون ممن لا يؤمن بالآخرة إيماناً صادقاً، ومن لا يؤمن بها فليس بمؤمن، فأما المؤمن فإنه لا بد أن يهتم بالآخرة، فالمؤمن لا يحبط عمله حتى دعاؤه لطلب حاجته المباحة

من الدنيا، فإنه قد لا يقضي الله عز وجل له بعض تلك الحوائج، ولا يعوضه في الدنيا، بل يدخر له ثواب دعائه في الآخرة، كما ورد في أحاديث تفسير استجابة الدعاء، وقد اتفق الأمة فيما أعلم على أن المؤمن لا تحبط أعماله التي أخلص فيها واستمر على إخلاصه، ومن قال من المعتزلة: إن الكبيرة تحبط الأعمال هم الذين يقولون أن ارتكاب الكبيرة يبطل الإيمان.

وروى الخطيب بسنده إلى محمود بن غيلان «حدثنا وكيع قال سمعت الثوري يقول نحن المؤمنون، وأهل القبلة عندنا مؤمنون في المناكحة والمواريث والصلاة والإقرار، ولنا ذنوب، ولا ندري ما حالنا عند الله، قال وكيع: وقال أبوحنيفة: من قال بقول سفيان هذا فهو عندنا شرك، نحن المؤمنون هنا وعند الله حقاً. قال وكيع: ونحن نقول بقول سفيان، وقول أبوحنيفة عندنا جرأة» .

وذكر الكوثري في (تأنيبه) ص ٣٤ هذه الرواية، ثم ذكر عن كتاب ابن أبي العوام بسنده إلى عبيد بن يعيش قال: «حدثنا وكيع قاتل كان سفيان الثوري إذا قيل أمؤمن أنت؟ قال: نعم، فإذا قيل له: عند الله؟ قال: أرجو. وكان أبوحنيفة يقول: أنا مؤمن هنا وعند الله. قال وكيع: قول سفيان أحب إلينا» .

وقال الكوثري ص ٦٧: «لكن الإيمان الشرعي إنما يتحقق عند تحقق الجزم المنافي لتجويز النقيض فمن يقول: أنا مؤمن، ولا أدري ما حالي عند الله، أو: أنا مؤمن إن شاء الله، فإن كان مراد بذلك إن الخاتمة مجهو لة وأرجوالله أن يختم لي بخير فليس ذلك من منافاة الجزم في شيء، وأما إن كان مراده بذلك القول أنا مؤمن هنا ولا أدري ما إذا كان ما اعتقده إيماناً هنا إيماناً عند الله فهو شاك غير جازم بل جوز بتلك الإرادة أن يكون الإيمان خلاف ما يعتقده، فهو ليس من

<<  <   >  >>