يكون ما ثبت به الشرع موثوقاً به، فيسقط الشرع وما أدى ثبوته إلى انتفائه فهو باطل، وإن لم يعلم موافقة العقل للخبر ولا مخالفته له كان محتملاً أن يكون العقل مخالفاً له فيجيب تأويله، ومع هذا الاحتمال لا يفيد العلم.
قال:«فإن قيل: إن الله سبحانه لما أسمع المكلف الكلام الذي يشعر ظاهره بشيء فلوكان في العقل ما يدل على بطلان ذلك الشيء وجب عليه سبحانه أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل، وإلا كان تلبيساً من الله تعالى، وإنه غير جائز، قلنا: هذا بناء على قاعدة الحسن والقبح وأنه يجب على سبحانه شيء، ونحن لا نقول بذلك، سلمنا ذلك فلم قلتم: إنه يجب ... ، وبيانه أن الله إنما يكون ملبساً على المكلف لوأسمعه كلاماً يمتنع عقلاً أن يريد به إلا ما أشعر به ظاهره، وليس الأمر كذلك، لأن المكلف إذا سمع ذلك الظاهر فبتقدير أن «لا» يكون الأمر كذلك لم يكن مراد الله من ذلك الكلام ما أشعر به الظاهر، فعلى هذا إذا أسمع الله المكلف ذلك الكلام، فلوقطع المكلف لحمله على ظاهره مع قيام الاحتمال الذي ذكرنا كان التقصير واقعاً من المكلف لا من قبل الله تعالى ...
فخرج بما ذكرنا أن الأدلة النقلية لا يجوز التمسك بها في باب المسائل العقلية، نعم يجوز التمسك بها في المسائل النقلية، تارة لإفادة اليقين كما في مسألة الاجماع وخبر الواحد، وتارة لإفادة الظن كما في الأحكام الشرعية» .
أقول: أما المطلب الأول فقد أعد الله تبارك وتعالى لثبوته فطر الناس وعقولهم الفطرية وآيات الآفاق والأنفس، ثم تكفل الشرع بالتنبيه على ذلك وإيضاحه مع تضمنه لآيات أخرى ثم، ثم يتمم الله عز وجل ذلك بالتوفيق لمن استحقه، فمن كان في قلبه محبة للحق ورغبة فيه وإيثار له على ما سواه رزقه الله الإيمان لا محالة، ولهؤلاء درجات بحسب درجاتهم في المحبة والرغبة والإيثار، فمنهم من تقوى هذه الأمور عنده وتصفوفيصفوله اليقين بالفطرة وأدنى نظر. ومنهم من يكون دون ذلك فيحتاج إلى زيادة.
وعلى كل حال، فإن المأخذين السلفيين شافيان مغنيان في تحصيل الحق