صرف الخبر عن ظاهره أو الاعتراف بأن المتكلم به غير معصوم.
السلفي: إن ساغ هذا الاحتمال في الأول ساغ في الثاني، فيحتمل فيما أخبر النص بأنه وقع أو سيقع في وقت كذا أن يقوم فيما يأتي دليل خلاف ذلك. فليس هناك إلا سبيلان:
الأولى: سبيل المؤمنين أنه يستحيل عقلاً أن يكون المتكلم بالقرآن أو من النبي عليه الصلاة والسلام فيما يخبر به ربه جهل أو غلط أو كذب أو تلبيس، ففرض أن يقوم دليل قاطع على خلاف النص الثابت قطعاً، أو الظاهر قطعاً ز لا قرينة معه قطعاً، فرض للمستحيل.
الثانية: سبيل ابن سينا ومن وافقه من تجويز الجهل والغلط، أو الكذب والتلبيس «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» الكهف: ٢٩.
المتكلم: وهل كلامنا إلا في القطع؟ فهب أن احتمال الامتناع العقلي لا يصلح أن يكون قرينة فمن أين يأتي القطع؟ ومن المحتمل أن يخطئ الناظر الناظر فيعتقد أن الحديث ثابت، وليس بثابت، أو يعتقد صراحة الآية أو الحديث الثابت فيما فهمه، وليس كذلك، أو يعتقد ظهور ما ليس بظاهر، أو يعتقد انتفاء القرينة وهناك قرينة غفل عنها.
السلفي: سيأتي إثبات حصول القطع في الكلام مع الرازي والعضد، فأما الخطأ، فالخطأ في الباب إنما يكون في الظن، وليس كالنظر العقلي المتعمق الذي يكثر فيه الغموض والاشتباه والقطع بالباطل كما مر في الباب الأول، والنظر في النصوص على وجه
الإيمان بها والتسليم لها اهتداء يحبه الله تبارك وتعالى «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ» محمد: ١٧.
والنظر في الشبهات التعميقية على وجه الوثوق بها وتقديمها على النصوص زيغ عن سبيل الله «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» الصف: ٥.