للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأشاعرة ومنهم الرازي يعترفون بهذا الامتناع، ويكفرون من لا يقول به، غاية الأمر أنهم زعموا أن العقل لا يمنع أن يكذب الله سبحانه أو أن لا يكذب، ولكن الرسول أخبر بأن الله تعالى لا يكذب، وقد ثبت صدق الرسول بظهور المعجزة على يده، قالوا ودلالة المعجزة على صدقه عادية- على ما مر بيانه في الباب الثاني - والدلالة العادية عندهم يقينة ومهما يكن في استدلالهم من الوهن فيكفي أنهم معترفون بامتناع أن يقع من الله تعالى أو من رسوله فيما يخبر له عن كذب، ويكفر من يقول خلاف ذلك، ولا ريب أنهم إذا عرفوا بطلان استدلالهم، ولم يبق إلا أن يقولوا بالوجوب والحسن والقبح العقليين، أو يكفروا، إنما يختارون الأول، فإن فرض أن أتباعهم اختار المفر فإلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!

فأن قيل: يؤخذ من كلام الرازي أنه يزعم أن احتمال الامتناع العقلي قرينة تدافع ظاهر الخبر، فلا يلزم من القول ببطلان تلك المعاني أو بعضها تكذيب النصوص، ولا من القول باحتمال البطلان القول باحتمال الكذب.

قلت: هذا زعم باطل كما مر في الكلام على المقصد الأول من مقاصد ابن سينا، وإنما الذي يصح أن يكون قرينة هو الامتناع العقلي نفسه إذا كان من شأنه أن لا يخفى على المخاطب، فأما احتماله فقط فإنما هو كاحتمال عدم وقوع ما دل الخبر على وقوعه، وذلك كما لوكان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعمى صائم في رمضان وهو عريش بعيد عن البيوت فلم يدر أقد غربت الشمس أم لا، فينما هو كذلك إذ مر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال للأعمى: قد غربت الشمس وصلينا المغرب، فهل للأعمى أن يقول في نفسه: لوكنت بصيراً، واخبرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الخبر وأنا أشاهد الشمس لم تغرب، لكان ذلك قرينة على أن المراد بالخبر غير ظاهره، كأن يكون عنى قد غربت أمس، أو قد قارت الغروب، فعلي الآن أن لا آخذ بظاهر الخبر، لأن احتمال عدم الغروب اليوم قرينة؟

فإن قيل: فإن الرازي فرق بين الأمور التقليدية وغيرها.

<<  <   >  >>