للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعلم أنها مخالفة للواقع ويضمر تورية في نفسه، فيعملون بظاهر فتاواه ويحفظونها ليعلموا بها فيما يتفق بعد ذلك من أمثال تلك القضايا، وترتب على ذلك ظلم كثير للفقراء واليتامى والأرامل، وهو يزعم أن لم يرتكب محظوراً لإضماره التورية مع احتمال الامتناع العقلي لأن مسائل الحساب من أوضح المعقولات، فهل يعذر في ذلك؟

وافرض أن رجلاً عاقل خاطبك بكلام، فتدبرته ملاحظاً القرائن، فعلمت أن الكلام ظاهر بين في معنى، وأنه لا قرينة تصرف عن ذاك المعنى، وأنه لا وجه لفرض أن يكون المتكلم عجز عن البيان أو جهل أو أخطأ، أفلا تعلم ذلك بأن المتكلم أراد أن يكون كلامه ظاهراً بيناً في ذاك المعنى، وعمل بمقتضى هذه الإرادة فجاء بالكلام على وفقها؟ ثم أن خطر ببالك احتمال أن يكون أراد في نفسه معنى آخر على وجه التأويل، وأن يكون ذاك المعنى الظاهر البين الذي أراد أن يكون الكلام مفهماً له ثم جاء بالكلام على وفق من هذه الإرادة غير واقع، أليس معنى هذا الخاطر إنما هو احتمال أن يكون الكلام كذباً، وإن يكون ببالك لكان تأويل المتكلم في نفسه إنما هو على أحد ثلاثة أوجه:

الأول: مثل تأويل إبراهيم عليه السلام.

الثاني: أن يكون توهم أنه إذا تأول في نفسه فقد برئ من معرفة الكذب.

الثالث: أن يكون إنما أعد عذراً حتى إذا انكشف الحال وبان كذبه قال: إنما عنيت كيت وكيت.

فأما الأول فهو تأويل إبراهيم فقد سبق أن محله أن يكون الكلام قريب الاحتمال جداً لغير ما هو ظاهر في، وأن يكوالمتكلم مضطراً إلى الإيهام، وأن يكون في ذاك الإيهام دفع مفسدة عظيمة، ولا ترتب عليه مفسدة ما، وهذه الأمور منتفية عن النصوص التي يزعم المتعمقون أن ظواهرها باطلة، كما قدمناه في

<<  <   >  >>