للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقلي بأن يرى في بعض كتب ابن سينا عبارة تصرح بذلك، وإن لم يكن فيها ذكر دليل عليه، فعلى هذا لو كان أحدهم مكان الرازي فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر كتاب (الشفاء) - مثلاً - لابن سينا في باب كذا، فنظر فوجد تلك العبارة المصرحة بعدم الامتناع، لصدق

وقال: اطمأن قلبي، لكن لو قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر كتاب الله تعالى في سورة كذا، فنظر فوجد آية أصرح من عبارة ابن سينا وأوضح، لما أعتد بها، بل لقال: حال هذه الآية كحال كلامك يا رسول الله، لأنه يحتمل عندي أن يكون هذا المعنى ممتنعاً عقلاً!

بل أقول: قضية كلامهم أنه لو وقف أحدهم بين يدي الله تعالى وعلم يقيناً أن الذي يخاطبه هو الله تعالى غير أنه لا يراه ولم يكن ثبت عند هذا الرجل بدليل عقلي جواز رؤية الله عز وجل في الآخرة، فقال له الله تعالى: إن المؤمنين سيروني بأعينهم في الآخرة، لكان عندهم على الرجل أن لا يجزم بذلك مهما تكرر إخبار الله تعالى بالرؤية وبعدم امتناعها، بل عليه أن يطالب الله عز وجل بدليل عقلي على الجواز، فلولم يسمعه الله تعالى دليلاً ورجع فلقي رجلاً آخر فأخبره، فذكر له الرجل قياساً من مقاييسهم التي تقدم حالها في الباب الأول، يدل على الجواز، فنظر فلن يتهيأ له قدح لصدق حينئذ، وكذلك لولم يذكر صاحبه قياساً ولكن أراه عبارة لابن سينا تصرح بعدم الامتناع.

فهذه قضية ذاك القول، بل هذه ثمرة التعمق، بل هذه من مقتضيات دعوى الإمامة بغير حق، بل هذه من نتائج استكراه العقل على أن يخوض فيما لم يحط به علماً، ثم إذا سكن إلى شيء وألتزمه كان عليه أن يهدم كل ما خالفه، بل هذه عقوبة الخروج عن الصراط المستقيم، وأتباع غير سبيل المؤمنين، والرغبة عن طريق السلف الصالحين.

وفوق هذا كله فإن كثيراً من النصوص التي ينكر المتعمقون ظواهرها كانت عقول المخاطبين الأولين تقطع بوجوب ما دل عليها بعضها، وجواز ما دل عليه الباقي - كما مر في الكلام مع ابن سينا ويأتي طرف منه في مسألة الجهة وغيرها،

<<  <   >  >>