يكون عندهم من الشعور بأن جزم عقولهم بها ليس بغاية الوضوح؟
هذا كله إبلاغ في إقامة الحجة، وإلا فمن المعلوم أن الذي يصلح قرينه إنما هو الامتناع العقلي الذي من شأنه أن يدركه المخاطب.
فأما قول الرازي إن الله إنما يكون ملبساً على المكلف لو أسمعه كلاماً يمتنع عقلاً أن يريد به إلا ما أشعر به ظاهره» فجوابه يعلم مما يأتي:
اعلم أن للمتكلم إرادتين تتفقان تارة وتختلفان أخرى.
فالأولى: إرادة أن يكون خبره بحسب تركيبه مع قرائنه حقه أن يفهم منه المخاطب
هذا المعنى، فإذا لم يكن من المتكلم جهل ولا خطأ ولا عجز فلا بد أن يجيء خبره مطابقاً لهذه الإرادة.
الإرادة الثانية: إرادة المعنى كمنت يقول: «رأيت أسداً» فقد يريد في نفسه أسداً حقيقياً، وقد يريد رجلاً شجاعاً، فإذا لم يقصد المتكلم الكذب والتلبيس فإنما يريد بهذه الإرادة ذاك المعنى الذي حق الخبر أن يفهم منه، فلا يختلف المعنى في الإراديتين إلا في الكذب والتلبيس، فاعرف ذلك.
فإن عنى الرازي بقوله:« ... أن يريد به ... » الإرادة الأولى، أو الثانية مع تسليم لأنها لا تكون في كلام الله تعالى إلا موافقة للأولى، فمآل عبارته أن المكلف لا يمكنه القطع بأن المعنى الذي فهمه من الخبر هو الذي حقه أن يفهم منه.
فأقول: الرازي يخص هذه الدعوى بمطلبه الثالث حيث يحتمل الإمتناع العقلي، ويعترف بحصول القطع في مطلبه الثاني، فأولى من ذلك حصوله في مطلبه الثالث حيث يكون العقل موافقاً للشرع.
إذا تقرر هذا فالمخاطبون الأولون كانوا يعتقدون فيما اختص بإنكاره المتعمقون من معاني النصوص وجوب بعضه عقلاً فيحصل لهم باعتراف الرازي القطع من ذلك، فإما أن يلزم باعتراف الرازي الكذب والتلبيس، وإما أن تكون تلك المعاني