قطعاً، إذ لا يمكن العمل بهما ولا بنقضهما، وتقديم النقل على العقل إبطال للأصل بالفرع، وفيه إبطال للفرع، وإذ أدى إثبات الشيء إلى إبطاله كان مناقضاً لنفسه فكان باطلاً، لكن عدم المعارض العقلي غير يقين، إذ الغاية عدم الوجدان، وهو لا يفيد القطع بعدم الوجود، فقد تحقق أن دلالتها تتوقف على أصول ظنية، لأن الفرع لا يزيد على الأصل في القوة، والحق إنها قد تفيد اليقين بقرائن مشاهدة أو متواترة تدل على انتفاء الاحتمالات، فأنا نعلم استعمال لفظ الأرض والسماء ونحوهما في زمن الرسول في معانيهما التي تراد منها الآن، والتشكيك فيه سفسطة، نعم في إفادتها اليقين في العقليات نظر، لأنه مبني على أنه هل يحصل بمجردها الجزم بعدم المعارض العقلي؟ وهل لقرينه مدخل في ذلك؟ وهما مما لا يمكن الجزم بأحد طرفيه» .
أقول: أصل التشكيك كله للرازي كما يعلم من بعض كتب أصول الفقه.
وأقول: أما نقل اللغة والنحووالصرف فلا ريب أن هناك ألفاظاً يتفرد بنقلها بعض أهل اللغة، وأوجهاً من النحووالصرف يتفرد بحكايتها بعض أهل العربية، لكن الأعم الأغلب من نقل اللغة والصرف والنحوالتواتر، ومحاولة القدح في الجميع بأن البعض ظني مع العلم بأن الأكثر قطعي صنيع أخس من أن يسمى سفسطة كما نعلم من الموازنة بينه وبين ما تقدم عن السوفسطائية في الباب الأول.
وأمل النقل، والمراد به هنا نقل الشارع الكلمة عن معناها اللغوي إلى معنى شرعي، فقد وصف الله تبارك وتعالى كتابه بأنه «مبين» وانه «بيان للناس» وأنه «بلسان عربي مبين» وقال: «ثم أنا علينا بيانه» ، وأو جب على الناس تدبره وتصديقه والعمل به، وقال:«أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون» ، ولا شبهة أنه ليس المراد حفظ ألفاظه فقط، وإنما المقصود
بحفظه بقاء الحجة قائمة والهداية دائمة إلى قيام الساعة، وبهذا يعلم يقيناً أن الشارع لونقل كلمة عن معناها اللغوي إلى معنى آخر لبين ذلك للناس بياناً واضحاً، ولوبين لنقل بيانه، لتكفل الله عز وجل بحفظ الدين، ولما يلزم من انقطاع ذلك أن تنقطع الحجة والهداية، فتقوم