للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه. والعقول الفطرية يمكنها أن تتصور أن يكون الكون له جسماً واحداً مثلاً، وأن تتصور عدم الأجسام، وأن يكون الكون كله خلاء، (١) ولا تتصور ارتفاع الأمرين، وهذا يقضي بأن الخلاء أمر عدمي، فإن يعقل ارتفاع العدم بالوجود، ويستحيل ارتفاعهما معاً. (١) وظواهر النصوص الشرعية توافق هذا، فإنها تعرضت لخلق العالم في الخلاء، ولم تتعرض لخلق الخلاء، بل في عدة نصوص ما يقتضي أن الخلاء لم يكن مرتفعاً (٢) فقط قبل وجود الملأ، ولا أعلم من سلف المسلمين قائلاً بأن الخلاء أمر وجودي، وانه لم يكن خلاء ولا ملأ حتى خلق الله تعالى ذلك. وقال لي قائل: هب أن زاعماً زعم أن الخلاء وجودي، وأنه قديم محذور في هذا؟ فإن الخلاء لا يصلح أن يكون منه تخليق ولا تدبير فلا يتوهم أن يكون هو رب العالمين أو مغنياً عنه أو شريكاً له، وقضية الافتقار إليه على فرض كونه واجباً لا ينافي الوجود، ولا تز عن الافتقار إليه على فرض أنه عدمي، وعلى الافتقار إلى المانع نحو ذلك.

وأقول: خير لمن يعرض له مثل هذا أن يعرض عن التفكير، ويستغني بما ثبت بالقواطع، وسيأتي لهذا مزيد. والله الموفق.

السادسة: من تدبر عبارة الغزالي علم أنه يعترف أن العرب والصحابة والتابعين


(١) بل العلوم التجريبية التي هي أصح من تفكير المتكلمين وأقيستهم قد ثبت فيها بما لا شك فيه أن بين الأجرام السماوية من شموس وكواكب خلاء حقيقي ففوق الأرض بنحومائة كيلومتر بعد طبقة الهو اء الأرضي خلاء صرف إلى ما يشاء الله تعالى لا يشغله غير الأجرام السماوية والحرارة والنور والأشعة الأخرى تأتي إلينا من مصادرها في خلاء صرف.
فليتخيل المتخيلون في هذا الخلاء الواسع الأطراف الذي لا يعلم حدوده إلا الله سبحانه ماشؤوا من خيالات القدم والحدوث والعدم فهو بحر تسبح فيه الأجرام السماوية سباحة الأسماك في البحار. م ع
(٢) أي منفياً. م ع

<<  <   >  >>