عن علم الكلام والفلسفة، فأرسل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس، واختار أن يكون أول من يدعى إلى الحق العرب الأمين، وكلفهم بالنظر والأيمان، وقبل أيمان من آمن منهم بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وبأنهم هم المؤمنون حقاً وقضى بقيام الحجة على من كفر منهم، ولم يكن فيهم أثر لعلم الكلام ولا الفلسفة، ولا أرشدهم الشرع إلى تحصيل ذلك بل حذرهم منه، هذه سورة (الفاتحة) أعظم سورة في أعظم كتاب أنزله الله تبارك وتعالى، فرض الله سبحانه على العباد قراءتها في كل يوم بضع عشرة مرة وفيها «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ» .
ومعلوم من أمره إياهم بسؤال الهداية إلى هذا دون ذاك أنه يأمرهم بلزوم هذا واجتناب ذاك والمنعم عليهم هم الأنبياء ومن اهتدى بهديهم، فهم من هذه الأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وخيار أصحابه ومن اهتدى بهديهم ممن بعدهم.
ولا خفاء أن المأخذين السلفيين هما صراط هؤلاء، وأن علم الكلام والفلسفة ليسا من صراطهم، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير «المغضوب عليهم والضالين» باليهود والنصارى، لا خفاء أن موسى وعيسى عليهما السلام ومن كان على هديهما هم من المنعم عليهم، وإنما وقع الغضب والضلال على اليهود والنصارى الذين خالفوا هدي موسى وعيسى وأصحابهم وأتباعهم المهتدين بهديهم، وكان من تلك المخالفة الأخذ في علم الكلام والفلسفة إتباعاً لصراط الأمم التي هي أو غل في الضلال كاليونان والرومان. (١) فمن الواضح الذي لا يخفى على أحد أن علم الكلام والفلسفة ليسا من صراط المنعم عليهم بل هما من صراط المغضوب عليهم والضالين. فثبت بهذا أوضح ثبوت أن الشرع لم يقتصر عن الإعراض عن علم الكلام والفلسفة، بل حذر منهما
(١) والهند والفرس بل أن الهند والفرس أعرق بالفلسفة من الرومان، إنما أشتهر الرومان بنظام الدولة ووضع القانون المدني لها. م ع.