وسلم يقول: لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة» .
وورد نحوه من حديث جماعة من الصحابة ذكر في (فتح الباري) منها حديث ابن عباس عند مسلم وغيره، وحديث أم كرز عند أحمد وابن خزيمة وابن حبان، وحديث حذيفة بن أسيد عند أحمد والطبراني، وحديث عائشة عند أحمد، وحديث أنس عند أبي يعلي. (١)
وفيه حجة على أنه لم يبق مما يناسب الوحي إلا الرؤيا، اللهم إلا يكون بقي ما هو دون الرؤيا فلم يعتد به، فدل ذلك أن التحديث والإلهام والفراسة والكهانة والكشف كلها دون الرؤيا، والسر في ذلك أن الغيب على مراتب.
الأولى: ما لا يعلمه إلا الله، ولم يعلم به أحداً أو أعلم به بعض ملائكته.
الثانية: ما قد علمه غير الملائكة من الخلق.
الثالثة: ما عليه قرائن ودلائل إذا تنبه لها الإنسان عرفه كما ترى أمثلة ذلك فيما يحكى من زكن إياس والشافعي وغيرهما، فالرؤيا قد تتعلق بما هو من المرتبة الأولى لكن الحديث يقضي أنه لم يبق منها إلا ما كان على وجه التبشير فقط وفي معناه التحذير، والفراسة تتعلق بالمرتبة الثالثة، وبقية الأمور بالمرتبة الثانية، وإنما الفرق بينها والله أعلم أن التحديث والإلهام من إلقاء الملك في الخاطر، والكهانة من إلقاء الشيطان، والكشف قوة طبيعية غريبة كما يسمى في هذا العصر قراءة الأفكار.
نعم قد يقال: أن الرياضة قد تؤهل صاحبها لأن يقع له في يقظته ما يقع له في نومه فيكون الكشف ضرباً من الرؤيا.
وأقول: إن صح هذا فقد تقدم أن الرؤيا قصاراها التبشير والتحذير، وفي
(١) قلت: قد خرجتها وغيرها في «إرواء الغليل» (٢٥٣٩) ، وبعضها في الأحاديث الصحيحة» (٤٦٨) ن.