فمنهم من قال: تبقى العالمةُ والجاهلةُ، كما يقوله ابن سينا وأمثالُه.
ومنهم من يقول: تبقى العالمةُ فقط؛ لأنّها تبقى ببقاء معلومها، والجاهلةُ ليس لها معلوم باقٍ، فلا تبقى.
ومنهم من يقول: بل كلاهما تفسد بالموت، وهو قول المُعَطِّلة المحضة منهم ومن غيرهم، الذين يُنكِرون معادَ الأرواح ومعادَ الأبدان جميعًا، ويُنكِرون معادَ الأرواح وبقاءَها بعد الموت فقط، مع إقرارهم بمعاد الأبدان، كما يقول ذلك كثيرٌ من أهل الكلام المُحدَث في الإسلام.
فإنّ لبني آدم في المعاد أربعةَ أقوال:
أحدها: القول بمعاد الروح والبدن جميعًا، أنّ الروح المفارقةَ للبدن - التي يُسمّونها هم النفس الناطقة - تكون بعد فراق البدن منعَّمةً أو معذَّبةً، ثم إنّ الله يُعيدُها عند القيامة الكبرى إلى البدن، وهذا قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمّة المسلمين، وعليه دلّ الكتابُ والسنّةُ، وإن كانوا لا يصفون النفسَ بالصفات السلبيّة التي يصفها به الفلاسفة، بل يُثبِتون لها بعد الموت حركةً وفعلًا.
والثاني: القول بمعاد البدن فقط، وهذا قولُ كثير من أهل الكلام، من الجهميّة والقدريّة، ومن وافقهم من الأشعريّة وغيرهم، وبنوا ذلك على أنّه ليس فينا روحٌ تبقى بعد فراق البدن، بل ظنّوا أنّ الروح عرَضٌ يقوم بالبدن كالحياة، أو جزء من أجزاء البدن كالنفَس الخارج والداخل، فأنكروا أن تكون الأرواحُ المُفارقةُ للأبدان منعَّمَةً أو مُعَذَّبةً، ثم من أثبت من هؤلاء عذابَ القبر - كالأشعريّة وبعض المُعتزلة - قال: إنّه تُخلَقُ حياةٌ في جزء من أجزاء البدن، فتُنعَّمُ أو تُعذَّبُ.
وإنكارُ بقاء النفس بعد الموت قولٌ مُبتَدَعٌ في الإسلام، لم يذهب إليه أحدٌ من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمّة المسلمين، وإن كان