للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

انفصل عنه - بين ما يكون صفةً لغيره وفعلًا له، وبين ما لا يكون، إذ الجميع عندهم نسبتُه واحدة إلى قدرته ومشيئته وخلْقه".

"وهؤلاء يلزمهم أن لا يكون لأفعال العباد فاعلٌ، لا الربّ ولا العبد، أمّا العبدُ فإنّها وإن قامت به الأفعالُ فإنّه غيرُ فاعلٍ لها عندهم، وأمّا الربُّ فعندهم لم يقم به فعلُ لا هذه ولا غيرها، والفاعل والمفعول من قام به الفعل، كما أنّ المتكلِّم المفعول من قام به الكلام، والمُريد المفعول من قامت به الإرادة، والحيّ والعالم والقادر من قامت به الحياة والعلم والقدرة" (١).

"والذين يقولون: الخلقُ غيرُ المخلوق لهم قولان: هل يخلقُ بفعلِ واحدٍ قديم يُوجدُ به جميع المفعولات؟ أم هو يُوجِدُ المفعولات بأفعالٍ متعاقبة كما قال تعالى: ﴿خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [الزمر: ٦]؟ على قولين، ومن قال بالثاني قال: إنّ المؤثّر التامّ يستلزم الأثرَ التامّ، وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح، فإنّ الفاعل إذا كان قبل حدوث المفعول وحين حدوثه على حالٍ واحدة، كان تخصيصُ إحدى الحالين بحدوث المفعول ترجيحًا لأحد المتماثلين على الآخر بلا مرجّح، وهذا ممتنعٌ في صريح العقل، فالأثر لا يوجد إلّا إذا حصل مؤثّرُه التامّ، فإنّه بدون تمامه لا يكون مؤثرًا فلا يحصل الأثر، وإذا تمّ وجب حصولُ الأثر، إذ لو لم يجب لأَمكَنَ وجودُه وأَمْكَنَ عدمُه، فكان يتوقف على حدوث شيء آخر، فلا يكون المؤثر تامًّا، وهؤلاء يقولون: القدرة مع الفعل، وكذلك الإرادة وسائر ما يتوقّف عليه الفعل، وإن كان بعض ذلك قد يتقدّم عليه ويبقى إلى حين حصوله، لكن لابدّ من وجوده معه، وهذا الفعل الذي هو تكوين الرب خارج عن جميع الأسباب المخلوقة" (٢).

* * *


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٨٣).
(٢) الاستغاثة في الرد على البكري (ص ٣١٤ - ٣١٨).