للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: الشيخ – رحمه الله – حصر الصلح في كونه بيعاً، وقد حكى عن الشيخ أبي حامد: أن الصلح ثلاثة أنواع – كما جزم به راوياه المحاملي والبندنيجي -: صلح هو بيع، وصلح هو إبراء، وصلح هو هبة، فكيف يحسن من الشيخ مخالفته، و"التنبيه" مختصر "تعليقه"؟!

قلت: الجواب [أن المحاملي حكى] عن الشيخ أبي حامد تصوير صلح الإبراء: بما إذا كان له عند زيد ألف وهو مقر بها، فقال: أعطني [خمسمائة وأبرأتك من خمسمائة.

وصلح الهبة: بما إذا كان له عنده عينان أو عين واحدة، فقال]: أعطني أحداهما أو بعض العين ووهبتك الباقي، وأنه جزم بالبطلان فيما إذا قال: صالحتك من الألف على خمسمائة، ومن العينين على إحداهما أو بعض العين الواحدة؛ كما حكاه ابن الصباغ هنا، وإن كان في باب خيار المجلس قد فسرهما بمثل ما قاله أبو حامد.

فلما نظر الشيخ في ذلك وجد ما قاله من تصوير صلح الإبراء والهبة حائداً عن حقيقته؛ فإنه لم يأت فيهما بلفظ الصلح؛ فإن حقيقته فيهما: أن يصالح من الألف [على] خمسمائة، ومن العينين على أحداهما، أو من العين على بعضها و [قد] جزم في هاتين الصورتين بالمنع، وأعرض عن ذكرهما؛ لتناقض الكلام فيهما، واقتصر على ذكر كونه بيعاً؛ لكون هذا الكتاب مختصراً من "تعليقه".

ثم البيع الذي فسر به الصلح يشمل بيع الدين والعين والمنفعة، وقد حكى في "المهذب" وجهين في أن الصلح بيع بالتفسير الذي ذكرناه [ليس] إلا؛ حتى لا يصح فيما عداه، أو يتنوع إلى ذلك وإلى كونه إبراء أو هبة أو عارية، حتى تصح جميع هذه العقود.

والذي جزم به القاضي أبو الطيب واختاره في "المرشد"، ورجحه ابن الصباغ [وغيره: الثاني. وحكى ابن الصباغ] أن أبا الطيب ذكر في صورة الإبراء ما يقتضي موافقة الشيخ أبي حامد في عدم الصحة، وأنه قال في موضع آخر بالصحة فيها، وأن غيره حكاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>