قلت: قد حكينا عن الإمام الوجهين في الأصل، وإن قلنا بالاستعمال فهما هذان الوجهان والله أعلم.
والثالث: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة، قضي له؛ لما روى الشافعي في القديم مرفوعاً إلى سعيد بن المسيب: أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، وأقام كل واحد شهوداً، فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [بينهما] وقال: "اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَهُمَا".
ولأن اشتباه الحقوق المتساوية يوجب تميزها بالقرعة؛ كدخولها في القسمة في السفر بإحدى نسائه، وفي عتق عبيده إذا استوعبوا التركة؛ [و] هذا اللاقول محكي في الدعاوىمن القديم؛ كما حكاه البندنيجي.
قال: وهل يحلف مع القرعة؟ فيه قولان:
وجه الوجوب: أن القرعة قد تخطئ، وتصيب؛ فيحلف؛ لقطع التهمة ورفع الإشكال؛ مبالغة في الاحتياط.
ووجه مقابله: أن القرعة سيقت للترجيح؛ فاكتفي بها؛ هكذا وجهها القاضي الحسين في موضع من "تعليقه".
وقال ابن الصباغ: إنهما ينبنيان على أن الحكم عند خروج القرعة يقع بالبينة، [أو بدعواه مع القرعة؟ وفي ذلك قولان:
فإن قلنا: يقع بالبينة]، فلا يحلف، وهو ما اختاره ابن أبي عصرون؛ كما حكاه ابن أبي الدم.
وإن قلنا: يرجح بالقرعة، حلف، وهو ما حكاه في "البحر" عن النص، وقال: إن عليه عامة أصحابنا.