ثم قال ابن الصباغ: وينبغي أن يكون [الترجيح] بالبينة المعارضة لمزيتها بخروج القرعة لها؛ لأن القرعة لو انفردت عن البينة، لم ترجح بها الدعوى؛ ولهذا قال الشافعي: إنه يحلف: إن بينتي لصادقة فيما شهدت [لي به].
وقال الماوردي: إن القولين في التحليف مأخوذان من اختلاف قولي الشافعي في أن القرعة هل دخلت ترجيحاً للدعوى أو للبينة؟
فأحد القولين: أنها دخلت ترجيحاً للبينة؛ فعلى هذا لا يجب على من قرعت بينته؛ لأن الحكم بالبينة، ولا يمين مع البينة.
والقول الثاني: أنها دخلت ترجيحاً للدعوى؛ [فيجب إحلاف المدعي؛ وعلى هذا يكون فيما يثبت به الحكم وجهان:
أحدهما: اليمين مع البينة] ويكون يمينه بالله: إن ما شهدت به بينته حق، وقد نص عليه الشافعي، أي: في الدعاوى والبينات؛ كما حكاه في "البحر".
والثاني: أن الحكم يثبت بيمينه؛ ترجيحاً بالبينة؛ وهذه الطريقة هي المشهورة على قول الاستعمال.
وعن القاضي ابن كج: أنه حكى عن القاضي أبي حامد: أن الأقوال الثلاثة لا تجمع؛ بل موضع قول القسمة: ما إذا أمكن الجمع، وموضع قول القرعة: ما إذا لم يمكن.
أما إذا أقر الثالث الذي في يده العين بها لأحدهما بعد قيام البينتين، فإن قلنا بالتساقط، رجع إليه، وإن قلنا بالاستعمال فهل يرجح به؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأنه يصير صاحب اليد.
والثاني: لا؛ لأن يد الثالث بعد قيام البينتين واستعمالهما مستحقة الإزالة بالاتفاق فلا تأثير لها، ولا اعتبار بإقرار صاحبها.
وقد أجاب القائلون بالقول الصحيح في أصل المسألة- وهو قول التساقط- عن القياس على نسيان السابق من النكاحين-: أنه يمكن التذكر فيه، وهاهنا لا يرجى زوال ذلك بالتذكر.