ويعدُّ الطبُّ الوقائيُّ سيّدَ الطبِّ البشريِّ كلِّه، لأنّ قوةَ الأمةِ تتجلّى في قوةِ أفرادِها، وإنّ دَخْلَها يُقاسُ بدخْلِهم، وإنّ الأمةَ التي تنزلُ بساحتِها الأمراضُ أو تستوطِنُها الأوبئةُ تتعرَّضُ لخسرانٍ كبيرِ، سواءٌ في هذه القُوى البشريةِ المريضةِ المعطَّلَةِ التي كان مِن الممكنِ أنْ تسهمَ جهودُها في زيادةِ دخلِها، أو في هذه الأموالِ الطائلةِ التي تنفَقُ في معالَجةِ هذه الأمراضِ، والتي كان مِنَ الممكنِ أن تُنفَقَ في بناءِ الوطنِ، فتسهمَ في منعتِه، ورفعتِه.
ويضافُ إلى هذا أنّ ثمنَ معظمِ الدواءِ يُستهلكُ نقداً أجنبياً صعباً نحنُ في أشدِّ الحاجةِ إليه لتنفيذِ المشروعاتِ الإنتاجيةِ التي تعودُ بالنفعِ العامِّ على الأمّةِ.
وإنّ معالجةَ مريضِ السّلِّ تستمرُ وسطياً تسعةَ أشهرٍ، وتكلِّفُ المريضَ والدولةَ أموالاً وإمكاناتٍ كبيرةٍ، إضافةً إلى ما يعانيه المريضُ من العذابِ والقلقِ، أمّا الوقايةً مِن هذا المرضِ فلا تحتاجُ إلاّ إلى لقاحٍ يكلِّفُ بضعةَ قروشٍ.
إنّ النظافةَ مِنِ الطبِّ الوقائيِّ، وقد أمرَ الإسلام بها، فهي تقِي مِن انتقالِ كثيرٍ مِنَ الأمراضِ المُعْدِيةِ، التي تنتقلُ بتلوُّثِ الأيدِي، كالكوليرا، والزحارِ، والالتهابِ المعويِّ.
والنظافةُ تنشِّطُ الدورةَ الدمويةَ بتنبيهِ الأعصابِ، وتدليكِ الأعضاءِ، وتحفظُ وظائفَ الجلدِ أن تتعطّلَ، إضافةً إلى أثرِ النظافةِ في بناءِ الشخصيةِ، وفي العلاقات الاجتماعية.
فاللهُ سبحانه وتعالى حثّنا عليها، وجعلَها سبباً لمحبته، فقال تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين} [البقرة: ٢٢٢] .
وقد فهم الإمام الغزالي هذه الآية على أربع مستويات:
الأول: تطهيرُ الظاهرِ مِن الأحداثِ والأخباثِ.
الثاني: تطهيرُ الجوارحِ مِن المعاصي والآثامِ.
الثالث: تطهيرُ النفسِ مِن الأخلاقِ الذميمةِ والرذائلِ الممقوتةِ.
الرابع: تطهيرُ النفسِ ممّا سوى اللهِ.
وقد رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّ بركَة الطعام بغسلِ اليدين قبلَه: "بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ".
ولا يخفى أنّ وضوءَ الطعامِ هو غسلُ اليدين والفمِ.