أمّا إذا حَادَ الإنسانُ عن مبادئ فطرتِه، ولم يعبدِ اللهَ عز وجل، وخَرَقَ حدودَ إنسانيّتهِ بالإثمِ والعُدوانِ اخْتلّ توازنُه الداخليُّ، وأحسّ بِكَآبةٍ مُدمّرةٍ لِصِحَّتِهِ النفسيّةِ، وهذا ما يُسمّيه علماءُ النفسِ، أو أطباءُ النفس التوتّرَ النفسيَّ، الذي هو سببٌ رئيسٌ لكثيرٍ من الأمراضِ، وبها نصلُ إلى حقيقةٍ خطيرة، وهي أنّ أكثرَ الأمراضِ تكمُنُ أسبابُها في التوتّراتِ النفسيّةِ، وفي الكسلِ العضليِّ.
من الأمراضِ العُضويّةِ ذاتِ الأسبابِ النفسيّةِ تسرّعُ ضرباتِ القلبِ، واضطرابُ نظْمِ القلبِ، وتضيّقُ الشرايينِ، وارتفاعُ ضغطِ الدمِّ ذو المنشأ العصبيِّ، وتقرّحاتُ الجهازِ الهضميِّ، وأمراضُ الحساسيّةِ، وأمراضُ الأعصابِ، والشللُ العضويُّ ذو المنشأِ النفسيِّ، وحينما يصطلحُ الإنسانُ مع اللهِ، ويتُوبُ من ذنوبِه، ويستقيمُ على أمْرِ ربِّه، ويعملُ الصالحاتِ تقرُّباً إليه، يشعرُ بأنّه أُزيحَ عن صدرِه كابوسٌ ضاغِطٌ، كأنّه جبلٌ جائمٌ، وأنّ ظلماتٍ بعضُها فوقَ بعضٍ قد تبدَّدتْ من أمامِه.
يشعرُ المؤمنُ بمشاعرَ من السعادةِ لا توصفُ، وأنّ مشاعرَ الكآبةِ والضِّيقِ قد اختفَتْ إلى غيرِ رَجْعةٍ، وعندئذٍ يشعرُ أنّ في قلبهِ من الطمأنينةِ والسعادةِ ما لو وُزِّعَتْ على أهلِ بلدٍ لأسْعَدَتْهُم جميعاً، وعندها تتأثَّرُ العضويّةُ بهذه الصحّةِ النفسيّةِ تأثُّراً إيجابيّاً، فتزولُ أكثرُ أعراضِ الأمراضِ العضويّةِ ذات المنشأ النفسيِّ.
إنّ التوبةَ والعملَ الصالحَ أساسُ الصحّةِ النفسيّةِ، فإذا أردْتَ نفساً صحيحةً متألّقةً عاليَةَ المعنوياتِ متفائلةً فعليك بالصُّلْحِ مع اللهِ، فإذا اصطلحْتَ معه صلُحَتْ حياتُك كلُّها، لهذا وَرَدَ عن الرسول عليه الصلاةُ والسلامُ:"اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا"، أيْ إذا اسْتَقَمْتُم فلن تُحصوا الخيراتِ التي تجنونها مِن استقامتِكم.