فعَلَيْهم أن يَصبِروا، ليس بمُجرَّد أن يُقال لهم: أنت مطوّع، أنت مُتَشدِّد، أنت فيك كذا وكذا. يَنحَسِر ويَدَع، هذا ليس بصحيح، لا بُدَّ أن يَصبِر ويُصابِر ويَعمَل بالحِكْمة، وليس بالعُنْف، ولكل شيء من الحالات مَنزِلته.
والحاصِلُ: أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قد وعَدَ أصحابه بالنَّصْر، فآمَن بذلك المُؤمِنون، وتَكلَّم المُنافِقون والذين في قُلوبهم مَرَض بهذا الكلامِ، {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} وكذَبوا، واللَّهِ ما وعَدَهم اللَّهُ ورسولُه إلَّا الحقَّ والصِّدْق.
وقد حصَل -والحَمْد للَّه تعالى- فإن هذه الأُمَّة -وللَّه الحَمدُ- بما خلَّفه لها رسولُه -صلى اللَّه عليه وسلم- من العِلْم والهُدَى وبما قام به خُلَفاؤه -رضي اللَّه عنهم- فتَحوا قُصور قَيْصرَ وكِسرى واليَمَن، وأُنفِقت كُنوزُ كِسرى وقَيْصرَ في سبيل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وجِيء بتاج كِسرى من المدائن إلى المدينة في خِلافة عُمرَ -رضي اللَّه عنه- (١) فتَحقَّق ما وعَد اللَّهُ ورسولُه، وإن كان النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تُوُفِّيَ قبل أن يَحصُل ذلك، لكنه في الحقيقة هو الذي فتَح هذا؛ لأن الصحابة ما فتَحوها إلَّا بشريعة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فصار ذلك نَصرًا للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن النَّصْر -كما نَقول كثيرًا- ليس انتِصار الإنسان بشَخْصه، بلِ انتِصاره بما جاء به ودعا إليه، ولو كان على أَيْدي أَتْباعه، ولو كان ذلك من بعد موته، واللَّه أَعلَمُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: بَيانُ أن المُنافِقين يَنْتهِزون الفُرَص، ووجهُه أنهم في هذه الفُرصةِ وهذه الحالِ الضَّيِّقة الحالِكة، بدَؤُوا نشاطَهم وانتَهَزوا الفُرصةَ وقالوا: أين الوعدُ؟