هذه عكس الأُولى، لمَّا كنَّ إذا أَتيْن بفاحِشةٍ مُبيِّنة، ضُعِّفَ العَذابُ عَليهن، جازاهُن اللَّه تعالى بالعَفْو من جِهة أُخرى فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}[يقنُتْ: يُطِع]، ولكن القُنوت للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غير القُنوت للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، القُنوت للَّه تعالى قُنوت عِبادة وتَذلُّل وتَعظيم، والقُنوت للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قُنوت طاعة الزَّوْج، وليس هو كقُنوتِهن للَّه عَزَّ وَجَلَّ.
قال تعالى:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}: {لِلَّهِ} في الطاعة والعِبادة و (لرَسول اللَّهِ) -صلى اللَّه عليه وسلم- بأداء حُقوقه التي تَجِبُ للزَّوج على زَوْجته.
وقوله تعالى:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} تَعمَل عمَلًا صالحًا، والعَمَل الصالِح ما كان خالِصًا صوابًا، والخالِص الصواب يَعنِي أنه جمَع بين الشَّرْطين الأساسِيَّين في كل عِبادة، وهُما الإخلاصُ للَّه تعالى، والمُتابَعة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكلُّ عِبادة لا بُدَّ فيها من هَذَيْن الشَّرْطين، فمَنِ اتَّبَع الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يُخلِص للَّه تعالى؛ فصلاته باطِلة، لأنَّها رِياءٌ، ومَن أَخْلَصَ للَّه تعالى ولم يَتَّبعِ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فصلاتُه باطِلة أيضًا، فعِبادته باطِلة لقوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا