هنا صدَّر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا الأَمْرَ بالنِّداء المُتَصِف المُنادَى بهِ بالإيمان، فأَوَّلًا تَصديرُ الخِطاب بالنِّداء يَدُلُّ على الاهتِمام بِه؛ لأن النِّداء يُوجِب الانتباهَ؛ فلذلك إذا وجَدْت مثلَ هذا التَّعبر فاعلَمْ أن الأمر هامٌّ.
ثُمَّ إن توجيه الخِطاب والنِّداء إلى مَنِ اتَّصَفوا بالإيمان يَدُلُّ على أن هذا من مُقتَضيات الإيمان؛ لأنه لا يُوَجَّه الخِطاب لمَوْصوفٍ بصِفةٍ إلَّا أن ذلك من مُقتَضَيات صِفَته، فإذا قلت: يا رجُلُ افعل كذا وكذا. فمَعنَى هذا أنَّ المأمورَ به من صِفات الرِّجال.
ثُمَّ إن في وَصْفهم بالإيمان إغراءً لقَبول ما وُجِّه إليهم، يَعنِي: إذا قلت: يا مُؤمِنُ. مَعناه: أني أُغريك أن تَقبَل، إذ إن الإيمان يَقتَضي أن تَقبَل، ففيه إغراءٌ على قَبول ما أَمَر اللَّه تعالى به؛ قال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "إِذا سمِعْتَ اللَّه تعالى يَقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأَرْعِها سَمْعَك -يَعنِي: استَمِع لها- فإمَّا خيرٌ تُؤمَر به، وإمَّا شرٌّ تُنْهَى عنه"(١).
(١) أخرجه الإمام أحمد في الزهد رقم (٨٦٦)، وسعيد بن منصور في السنن رقم (٥٠) [ط. الصميعي]، وابن أبي حاتم في التفسير (١/ ١٩٦).