ثُمَّ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ في مَعنَى {يَعْصِمُكُمْ}: [يُجيرُكم]، ولكن الصواب المُراد بها يَمنَعُكم؛ لأن العِصْمة هي المَنْع، ومنه المَعْصوم يَعنِي: المَمنوع من الخطَأ، فالصواب أن يَعصِمكم أن يَمنَعَكم من اللَّه تعالى.
وقوله تعالى:{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي} إعرابُ {مَنْ ذَا الَّذِي}: {ذَا} مُلغاةٌ؛ لأنها إذا جاء بعدها اسمٌ مَوْصولٌ، فإنها تَكون مُلغاةً مثل:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ}[البقرة: ٢٥٥]، ومثل:{مَنْ ذَا الَّذِي} يَنفَعُكم {يَعْصِمُكُمْ}.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ} الاستِفْهام هنا يُراد به النَّفيُ، يَعنِي: لا أحَدَ يَعْصِمُكم، وإذا جاء النَّفيُ بصِيغةِ الاستِفهام فإنه أبلَغُ من النَّفي المُجرَّد؛ لأنه يَكون نَفيًا مُشْرَبًا بالتَّحدِّي كأنه يَقول: أَخبِروني أَيَعْصِمكم أحَدٌ من اللَّه تعالى إن أَراد بكم سُوءًا.
فهذه قاعِدة في كل ما يَكون فيه الاستِفْهام بمَعنَى النَّفي، أن نَقول:(عُدِل عن النَّفْي المَحْض إلى الاستِفْهام، ليَكون مُشرَبًا بمَعنَى التَّحدِّي).