قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَانُوا} الجُمْلة هذه مُؤكَّدة باللَّام و (قد)، قَسَمٌ مُقدَّر، كلَّما جاء مثل هذا التَّعبيرِ في القُرآن، فإنه مُؤكَّدٌ بالمُؤكِّدات الثلاثة، يَعنِي: واللَّهِ لقد كانوا عاهَدوا اللَّه تعالى مَن قَبلُ.
وتَقدَّم لنا أن اللَّه تعالى يُقسِم عن الشيء لا في جانب الإنكار، ولكن في جانب الأهمية، وقد يُقسِم عليه في جانب الإنكار مثل قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}[التغابن: ٧]، هنا أكَّد اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا العَهْد مِنْهم أنَّهم:{عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ}، وهذا العَهدُ بينهم وبين الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمُعاهَدة مع الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُعاهَدة مع اللَّه تعالى، كما قال اللَّه تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}[الفتح: ١٠]، فهُم عاهَدوا الرسول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ألَّا يفرُّوا ولا يُوَلُّون الأدبار، ولكنهم نقَضوا العهد؛ لأن نَقْض العهد والخِيانة والكذِب من خِصال المُنافِقين، فهذه سَجِيَّة فيهم.
قوله تعالى:{عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ}؛ ما محَلُّ قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{لَا يُوَلُّونَ} من الإعراب؟