للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:
مسار الصفحة الحالية:

الجواب: نعَم تَصحُّ، والدَّليل: قولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: ٦٥] أي: سأَلْتَ المستهزِئين، لأنَّهم كانوا يَستهزِئون ويقُولون: ما رأَيْنا مِثلَ قُرَّائنا هؤلاء -يَعْنون: النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابَه- أَرْغَب بُطونًا ولا أَكْذبُ ألسنًا ولا أَجْبنُ عندَ اللِّقاء. وكذَبوا واللَّهِ، فهذِه الأوصافُ في المنافِقين تمامًا، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} [التوبة: ٦٥ - ٦٦]، فمعناه: أنَّ هؤلاءِ قَد يَعفو اللَّهُ عَنهم وذلِك بالتَّوبة، فمَن تابَ مَهما كان شِركُه وكُفرُه فإنَّ اللَّه يتُوبُ عليه.

وهؤلاءِ الذِين تابُوا مِن الكُفر وقَد قَتلوا مَن قتَلوا مِن المُسلمين هَل يَلزمهم ضَمانُ المسلمِين الذِين قتَلوهُم؟ لا يَلزمهم، لقَول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: ٣٨] ولهذا لو رأَى شخصٌ شخصًا كان كافِرًا وقد قَتل أباهُ ثُم أسْلم فإنَّه لا يجُوز لَه أنْ يَقتُلَه؛ لأنَّ إسلامَه عصَمه وغفَر لَه بِه ما سَلَف.

ثُم قال تعالى: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} وقد تُشكِل عَليك هذِه الجُملة: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي: كانَ فِيما مضَى، ولكن الآنَ؟ فـ (كان) فِعل ماضٍ؟ !

فنقُول: (كان) هنا لا يُقصد بها الزَّمان، بل يُقصد بها تَحقيق اتِّصاف اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بالمَغفِرَة والرَّحمة، فهِي كَما يقول النَّحْويُّون: مَسْلُوبَة الزَّمان، والمقصودُ بِها التَّوكيد، فاللَّه تعالى مُتَّصفٌ بالمَغْفِرةِ والرَّحمة دائمًا وأبدًا.

* * *

<<  <