والحرْب سِجال؛ ويومُ بدرٍ كانَ النَّصْر للمُسلمِين، وقُتِل مِن صَنادِيدِ قُريش وكُبَرائهم ما هو مَعلوم؛ فقال: يَومٌ بيومِ بَدْر، أي: اليومَ غَلبْناكُم، وأنتُم غلبتُمونا يومَ بدر، والحربُ سِجال، أي: مرَّة لكم ومرَّة عليكم! . فأجابُوه: (لا سَواءَ! )؛ أي: بَيْن اليَومَيْن، فقَتْلانا في الجنَّة وقَتْلاكم في النَّار؛ وهل هذانِ اليومانِ على حدٍّ سواءٍ بعدَ أن كانَ قَتلَى المسلِمِين في الجنَّة وقَتلَى الكُفَّار في النَّار؟ الجواب: لَا.
والمقصودُ: مِن هذا أنَّ المشركِين يُصرِّحون بمُنابذة المؤمِنين، وأنَّ الإنسانَ إذا تابَ ولو كانَ مُشركًا مُنابِذًا تابَ اللَّه عَليه؛ فهَذا الرجُل أبو سُفيان أَسْلم وصارَ مِن الصَّحابة، لكنَّه تأخَّر إسلامُه فتأخَّرت مَرتبتُه.
إذَن: مَن تابَ تابَ اللَّه عَليه، حتَّى مِن الشِّرك، وحتَّى مِن النِّفاق، وحتَّى مِن الاستِهزاء باللَّهِ وآياتِه.
والدَّليل على أنَّ التَائب من النِّفاق يتُوبُ اللَّه علَيه قولُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١٤٥ - ١٤٦]، لكنْ لَاحِظْ أنَّ اللَّه تعالى ذكَر أشياءَ مُهمَّة:
١ - {الَّذِينَ تَابُوا} أي: رجَعوا مِن النِّفاق إلَى الإِيمانِ الخالِص.
٢ - {وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ} أي: توكَّلوا عَليه واعتَصَمُوا بِه.
٣ - {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ}.
فهذه ثلاثةُ أوصافٍ؛ {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}.
والمُستهزِئ باللَّهِ وآياتِه هَل تَصحُّ توبتُه؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute