ثُمَّ قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} تَشريفًا له وإظهارًا لنُبوَّته.
وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} جَمَع له بين الوَصْفين؛ النُّبوَّة والرِّسالة على وَجْه صريح، وإلَّا فلو وُصِف بالرِّسالة وحدَها لتَضمَّنَت وَصْفه بالنُّبوَّة؛ لأنَّ كلَّ رَسول نبِيٌّ، وليس كل نَبِيٍّ رَسولًا، لكن الجمْع بين الوَصْفين أَوْلى على وجه النَّصِّ والتَّعيين، وفي حديث البَراءِ بنِ مالِكٍ -رضي اللَّه عنه- يُقال من الذِّكْر عند النَّوْم-؛ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- علَّمه إذا أَوَى إلى فِراشه أن يَقول مِمَّا يَقول:"آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ"، فلمَّا أَعادَها عليه البَراءُ -رضي اللَّه عنه- قال:"آمَنْتُ بكِتابِكَ الَّذي أَنزَلْتَ وبِرَسولِكَ الَّذي أَرْسَلْتَ"، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- له:"وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ"(١)، قال العُلَماءُ رَحِمَهُم اللَّهُ: لأَجْل أن يَجمَع له بين وَصْفَي النُّبوَّة والرِّسالة على وجهِ التَّعيين؛ لأنَّ دَلالة الرِّسالة على النُّبوَّة من باب دَلالة الالتِزام، وأمَّا دَلالة النُّبوَّة على النُّبوَّة فهو من باب دَلالة النَّصِّ والتَّعيين، هذا من وَجْه.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب فضل من بات على الوضوء، رقم (٢٤٧)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، رقم (٢٧١٠).