وجهٌ آخَرُ: أنَّه إذا قال: (وَرَسُولِكَ الَّذي أَرْسَلْتَ) لم يَكُن نصًّا في الإيمان بمُحمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ قد يَجوز أن يُراد به الرسولُ المَلَكيِّ دون الرسولِ البَشَريِّ.
هنا يَقول:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ}، ولم يَقُل:(يا أيُّها الرسولُ إنا أَرسَلناكَ)؛ ليَجمَع له بين وَصفَي النُّبوَّة والرِّسالة على سبيل التَّعيين والنَّصِّ، لكن انظُرْ إلى قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}[المائدة: ٦٧]، حيثُ قال تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ}، ثُمَّ قال تعالى:{بَلِّغْ}؛ لأنَّه إنما يَأمُره بالبَلاع، وهذا يُناسِب الرِّسالةَ.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} على مَن أُرسِلْتَ إِلَيْهِم]، وكلِمة {شَاهِدًا} حال من الكاف في قوله تعالى: {أَرْسَلْنَاكَ}، والشاهِدُ يُطلَق على المُخبِر، ويُطلَق على الحاكِم، والنبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شاهِد مخُبِر حاكِم، فهو مخُبِر عن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بما أَرسَله به، وكذلك مخُبِر عمَّن أُرسِل إليهم، بالقَبول أو الرَّفْض، وكذلك هو حاكِم، فإن الحُكْم للَّه تعالى ورسولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
والدَّليلُ على أنَّ الشاهِد بمَعنَى: الحاكِم قولُه تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: ٢٦ - ٢٧]، إذَنْ (شاهِد) بمَعنَى: (مخُبِر) و (حاكِم)، فهو مُخبِر عن اللَّه تعالى، ومخُبِر عن عِباد اللَّه تعالى، مخُبِر عن اللَّه تعالى بما أَوحاه إليه، ومُخبِر عن عِباد اللَّه تعالى بالقَبول أو الرَّفْض.
وكذلك هو شاهِد على مَن سبَقه من الأُمَم في تَبليغ رِسالات الرُّسُل، وفي تَكذيب قَوْمهم لهم، كما قال اللَّه تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: ١٤٣]، إِذَنْ: شاهِد بما أَوْحاه اللَّه تعالى إليه، وحاكِم به، وشاهِد على مَن أُرسِلَ إليهم، وشاهِد على مَن سبَقه مِن الأُمَم.