قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} هذا عَطْف، ولكنه مُبَيِّن للمُبَشَّر في قوله تعالى:{وَمُبَشِّرًا} بشَرِ المُؤمِنين بأن لهم من اللَّه تعالى فَضْلًا كبيرًا، والمُؤمِنون هنا يُراد بهم المُؤمِنون والمُسلِمون جميعًا؛ لأنه تَقدَّم أن الإيمان إذا ذُكِر وحدَه شَمِل الإسلام، والإسلام إذا ذُكِر وحدَه شَمِل الإيمان، وإن ذُكِرَا جميعًا صار الإيمان في القَلْب والإسلام في الجَوارِح.
فقوله تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} لم يَقُلْ: بَشِّرِ المُسلِمين؛ لأن من المسلمين مَن يَكون إسلامُهُم ظاهِرًا، ويَكون الإيمانُ في قُلُوبهم إمَّا مَفقودًا وإمَّا ضَعيفًا، فالذين لَهم البِشارة المُطلَقة هُمُ المُؤمِنون الذين وقَرَ الإيمان في قُلوبهم، وصاروا يُنفِّذون مُقتَضى ذلك الإيمانِ؛ ولهذا قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: ٦١ - ٦٣]، فالبِشارة المُطلَقة لا يمون إلَّا للمُؤمِنين.
وقوله تعالى:{الْمُؤْمِنِينَ} كُلَّما جاءَت لَفْظة (المُؤمِنين) مُفرَدةً -كما قُلْت قبلَ قَليل- فإنها تَشْمَل المُؤمِن والمُسلِم، قال تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} فَضْلًا مَنصوبة بـ (أنَّ) فهي اسمُها مُؤخَّرًا.