للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا} مَعطوف على {شَاهِدًا}.

قوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا}، أي: أَرسَلْناك مُبشِّرًا، والبِشارة تَقتَضي أربعة أُمور: مُبشِّر، ومُبشَّر، ومُبشَّر به، وسبَب يُوصِل إلى المُبشَّر به، فالرسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مُبشِّر، فإذا كان الرسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُبشِّرًا، فلا بُدَّ أن يَكون هناك مَن يُبشِّره، وهم الذين أُرسِل إليهم، واتَّبَعوه على ما دعا إليه، ولا بُدَّ أن يَكون هناك مُبشَّرًا به، وهو الجنَّة، تَقدَّمنا في هذه الآياتِ {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}، ولا بُدَّ أن يَكون هناك سبَب يُوصِل إلى المُبشَّر به الأَعمال الصالحِة.

إِذَنْ: فالنَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قد بيَّن وبلَّغَ الرِّسالة إلى المُبشِّرين، وبيَّنَ المُبشَّرَ به، وما يَتَضمَّنه من الثَّواب، وأنواع النَّعيم، وبيَّن الأسباب المُوصِلة إلى ذلك، وهي الأَعْمال الصالحِة؛ ولهذا ترَكَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُمَّته على محَجَّةٍ بَيْضاءَ، ليلُها كنَهارِها، لا يَزيغُ عنها إلَّا هالِك.

قوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} النَّذير هو: مَن أَتَى بالإنذار، وهو الإعلام المَقْرون بالتَّخويف يُسمَّى إنذارًا، وفي حديث جابِرٍ -رضي اللَّه عنه- في صِفة خُطْبة النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "كأَنَّه مُنْذِرُ جَيْش يَقول: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ" (١).

وقوله تعالى: {وَنَذِيرًا} نَقول فيها كما قُلْنا في {بَشِيرًا}: لا بُدَّ فيها من أُمور أَرْبعة: مُنذِر، ومُنذَر، ومُنذَر بِهِ، وأسباب تُوصِل إلى ذلك، فكلُّها قد جاء بها النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

فالمُنذَر: الأُمَّة عُمومًا، والمُنذَر بِهِ: النارُ، وأسبابُه: الأعمال السَّيِّئة، والمُنذِر: هو


(١) أخرجه مسلم: كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (٨٦٧).

<<  <   >  >>