الرسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد بيَّن النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كلَّ هذه الأمورِ، بيَّن لكُلِّ المُنذَرين، وأدَّى إليهم الرِّسالةَ، أو أدَّى الأمانةَ، وكذلك بين المُنذَر به، وما فيه من العُقوبات المُتنوِّعات والعذاب الأليم.
هذا الوَصْفُ الرابِعُ:{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} أن يَدعُوَ الناس إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[إلى طاعَتِه] فيه نظَرٌ؛ فالأَوْلى أن تَبقَى الآية على ظاهِرها وأن النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدْعو إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وإلى الوُصولِ إليه في دار كَرامَتِه، ولا وصولَ إليه في دار كَرامَتِه إلَّا بامتِثال أَمْرِه واجتِناب نَهْيِه، فهو داعٍ إلى اللَّه تعالى بطاعَتِه واجتِناب نَهْيِه.
وقوله تعالى:{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} لَمْ يُبيِّن هنا كَيْفية الدَّعوة، ولكنه بيَّنَها في آيةٍ أُخْرى في قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥].
والدَّعوةُ لا بُدَّ فيها أيضًا من أُمور أربعة: داعٍ، ومَدعُوٌّ، ومَدعُوٌّ إليه، وسبَبٌ يُوصِل إلى المَدعُوِّ إليه، وكلُّ هذا جاء به النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقد كان عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَدْعو الناس سِرًّا وجَهْرًا حَسْب ما تَقتَضيه المَصلَحةُ والحاجةُ، فكان أوَّلُ دَعْوته سِرًّا؛ لأنه كان يَخشَى أن تُصادَم هذه الدَّعوةُ حتى تُدفَن، ثُم بعد ذلك جهَرَ بالدَّعوة لمَّا قال له اللَّه تعالى:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}[الحِجر: ٩٤]، ثُمَّ صار يَدعو مَن قرُبَ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء: ٢١٤]، ثُمَّ مَن بَعُدَ على حَسَب ما تَقتَضيه الدَّعوةُ.