قوله تعالى:{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ} أي: يَمنَعُكم منه إن أَراد بكم سُوءًا؟
الجَوابُ: لا أحَدَ؛ يَقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا} هَلاكًا أو هَزيمةً]، هلاكًا إذا لم يَكُن هناك قِتالٌ، أو كان قِتالٌ فقُتِلتم أو هَزيمة إذا غُلِبتم وبقِيتم، وكلُّ ذلك سوءٌ، لكنه سُوء بالنِّسْبة للمُكلَّف، أمَّا بالنِّسْبة لفِعْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فإنه خَيرٌ، لأنه لحِكْمة.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[أو يُصيبكم بسُوء إن أَراد اللَّه بكُمْ رَحمةً خَيرًا]، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ قدَّر هذه الجُمْلةَ لأنه رَحِمَهُ اللَّهُ ذكِيٌّ جِدًّا قال: أو يُصيبكم بسُوءٍ. (يُصيبكم) معطوفةٌ على (يَعصِمكم)، يَعنِي: أو مَن ذا الذي يُصيبُكم بسُوءٍ إن أَراد اللَّه تعالى بكم {رَحْمَةً} خيرًا.
والجوابُ أيضًا كالسابِق لا أحَدَ، وإنما قدَّمَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ [أو يُصيبكم بسُوء] على خِلاف ظاهِر السِّياق، لأن الرحمة لا تُعَدُّ مُصيبةً حتى تَحتاجَ إلى العِصْمةِ، فإنَّه إذا أَراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بالإنسان رحمةً لا يُقال: مَن ذا الذي يَعصِمكم منه، لأن الرحمة مَطلوبة، لا يَتَطلَّب الإنسان فيها أحَدًا يَعصِمه منها، فلهذا قَدَّر قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:[أو يُصيبكم بسُوء] يَعنِي أي: يُصِيبكم أحَدٌ بسُوءٍ إن أَراد اللَّه تعالى بكُمْ رَحْمةً، ولكن الصحيح أنَّه لا حاجةَ إلى هذا التَّقديرِ، فإذا جَعَلنا العِصْمة بمَعنَى المَنْع فالمَعنَى: مَن الذي يَمنَعُكم من اللَّه تعالى إن أَراد بكُمْ سُوءًا، ومَن الذي يَمنَعُكم من رَحْمته إن أَراد بكم رَحْمة، فالفِرار لا يَمنَعُكم من السوء الذي أَراد اللَّه تعالى بكُمْ، والبَقاء لا يَجلِب لكم الرَّحْمة التي أَراد اللَّه تعالى بكم، فالكُلُّ بيَدِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يَنفَعُكم الفِرارُ ولا البَقاء.