وقدِ اجتَمَع الأمران في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨)} [الحشر: ١٨ - ١٩]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الخِطاب هنا عامٌّ، الخِطاب يَعنِي: المُخاطَب عامٌّ، يُوَجَّه لأُناس مَوْصُوفين بالإيمان، هل يَختَصُّ بالمُؤمِنين في زمَن النُّزول، أو هو عائِد إلى كل المُؤمِنين؟
هو شامِل لكل المُؤمِنين، إذ إن اللَّه تعالى إذا أَنعَم على سلَف الأُمَّة بنِعْمة، فهو نِعْمة على الأُمَّة كلها؛ ولهذا يَذكُر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بني إسرائيلَ بنِعَم أَنعَم بها على بني إسرائيلَ في عَهْد مُوسى عَلَيْهِ السَّلَام، لأن الطائِفةَ واحِدةٌ ولا شكَّ أن نِعْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ على نَبيِّنا محُمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى أصحابه أنَّه نِعْمة علينا، وأن نَصْر اللَّه تعالى له ودِفاعه عنه نَصْرٌ لنا ودِفاعٌ عنَّا.
قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} نِعْمة اللَّه تعالى عامٌّ؛ لأنه مُفرَد مُضاف فيَعُمُّ، والشاهِد على أن المُفرَد المُضاف يَعُمُّ قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[النحل: ١٨] فليس المُرادُ نِعْمةً واحِدة، بل نِعَمٌ كثيرةٌ لا تُحصَى.
وقوله تعالى:{نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي: إِحْسانه وفَضْله، ثم قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِذْ جَاءَتْكُمْ} هذا التَّقييدُ لا يَعنِي تَخصيص النِّعْمة العامَّة في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نِعْمَةَ اللَّهِ} لكنه كالتَّمجيد لشيء من هذه النِّعَمِ {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ}: (إِذْ) أي: حين {جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ}، وهذه النِّعْمةُ خاصَّة بالذِّكْر، لأنها نِعْمة عظيمةٌ كما سيَتبَيَّن من تصوير اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لها قال:{إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} كلِمة (جُنود) هي بمِرة، لكنها يُراد بها التَّعظيمُ والتَّكثيرُ، يَعنِي: إذ جاءَتْكم جُنود كثيرة، وهؤلاءِ الجُنودُ همُ الأحزابُ