للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالحاصِل: أن مَرَض القَلْب أخطَرُ من مرَضِ البدَن بكثيرِ، والعاقل يَعتَني بهذا عِنايةً أشدَّ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن اللَّه تعالى ورسوله قد وعَد المُؤمِنين بالنَّصْر؛ لقوله تعالى: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، والوَعْد مَذكور في القُرآن والسُّنَّة للمُؤمِنين، قال اللَّه تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١]، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧]، انظُرِ الوَعْد العظيم {حَقًّا عَلَيْنَا} مُؤكَّدًا {نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، والمُلتَزِم بهذا هو الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ الذي بيده مَلكوت السَّمَوات والأرض، لكن مع الأسف الشديد كثيرٌ من المُؤمِنين لا يَلحَظون هذه الأشياءَ، مع أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَكفَّل بها، وفي السُّنَّة قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ" (١)، ونَصْر النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس نَصْرًا لذاته، ولكنه نَصرٌ لما جاء به، فيَكون النَّصْر له ولأُمَّته من بعده أيضًا.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: بَيانُ أن المُنافِق نظر قاصِرٌ، وكذلك مَن في قَلْبه مرَضٌ نظَرهُ قاصِرٌ؛ وجهه أنه ما نظَروا إلَّا في الساعة الحاضِرة، ما فكَّروا في العاقِبة، ومثل هذه الأُمورِ التي تَرِد أمورٌ عوارضُ، لكن العاقِبة للمُتَّقين، فالأمور العَوارِضُ لا يَبنِي عليها أحَد إلَّا ضعيف البصيرة، حتى في أمور الدُّنيا أيضًا لا تَنظُر إلى الأمور العارِضة، فإنه كما قيل: دوام الحال من المُحال، ولكن ما دُمْت واثِقًا بوَعْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَثِق أنَّ هذا الوَعْدَ سوف يَتحَقَّق، لكن تَعتَريه عوارِضُ، لحِكْمة من حِكَم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَبتَليه، ثُمَّ تَكون العاقِبة للمُتَّقين.


(١) أخرجه البخاري: كتاب التيمم، رقم (٣٣٥)، أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، رقم (٥٢١)، من حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>