فقال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُبطِلًا دَعْواهم:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ} قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [ما]{يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}، وهنا يَنبَغي الوقوفُ على قوله تعالى:{إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}، لأنك لو وصَلت لأَوهَم أن قوله تعالى:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} من قول المُنافِقين، فيَكون في ذلك تَناقُضٌ وفَسادٌ للمَعنى، فتَقول:{يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} وتَقِف، ثُمَّ تَستَأنِف القِراءة وتَقول:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ}.
وقوله تعالى:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ}: (ما) مَبنِيَّة على السُّكون.
ولو قال قائِل: مَن الذي يَقول: إنها حِجازِّية؟ لأن النصبَ ليس بظاهِر على الخبَر، أفلا يَجوز أن تَكون {بِعَوْرَةٍ} خبَر المُبتَدَأ مَرفوعة بضَمَّةٍ مُقدَّرةٍ على آخِرها مَنَع من ظُهورها اشتِغال المَحَلِّ؟
فالجَوابُ: دليلُه شاهِد من القُرآن، قال تعالى:{مَا هَذَا بَشَرًا} فنَصَب، فدلَّ ذلك على أن القُرآن نزَلَ بمُقتَضى لُغة الحِجازِّيين.
قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}: {إِنْ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [ما] ف (إِن) هنا نافِية، لأنها فُسِّرت بـ (ما)، و (ما) نافِية، ويَدُلُّ لذلك إِتْيان (إلَّا) بعدها: {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}، فهذا دليلٌ على أنَّهَا نافية، و (إن) تَأتِي نافِية كما هنا، وتَأتِي شَرْطية، ومثاله:{وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ}، وتَأتِي مُخَفَّفة من الثَّقيلة:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}، وكقول الشاعِر: