للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ماذا يَحدُث من عَبدِه، لو حصَل لهم ما يَحصُل به هذا القَصدُ، بل إنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعلَم أَبْلَغَ من ذلك، قال عن الذين يَقولون: إنهم لو رُدُّوا إلى الدُّنْيا لعمِلوا صالِحًا، قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨]، لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعلَم ما في قَلْب الإنسان.

وقوله تعالى: {لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا}: {تَلَبَّثُوا} بمَعنَى: تَريَّثوا، يَعنِي: لا يَترَّيثُون في إعطاءِ الفِتْنة وقَبُولها إلَّا يَسيرًا.

وقوله تعالى: {إِلَّا يَسِيرًا} قيل: إن هذا بمَعنَى: إلَّا عدَمًا؛ لأن اليَسير والقليل قد يُراد به العدَمُ، وقال بعضهم: {إِلَّا يَسِيرًا} أي: إلَّا قليلًا على وجه الحقيقةِ، وهذا الزمَنُ اليَسيرُ هو ما بين السُّؤال والجواب، يَعنِي: ما بين أن يُسأَل ثُمَّ يُجيب، هذه المَسافة من المُدَّة قَصيرة جِدًّا، وهي كالمَسافة التي بين قول القائِل: بِعْتُك هذا الشيءَ. فتقول المُشتَرِي: قبِلْتُ. يَعنِي: أنهم -والعِياذُ باللَّه- لا يَتَلبَّثون ولا يَتَريَّثون أبدًا، بل يَقبَلون فَوْرًا، فليس بين قَبولهم وسُؤال فِتْنة إلَّا ما بين مُدَّتَي السؤال والجواب.

وفي الحقيقة أنَّ هذه المُدَّةَ قصيرةٌ كالعدَمِ؛ ولهذا فُسِّر قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا يَسِيرًا} يَعنِي: إلَّا عدَمًا {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا}.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: أن المُنافِقين أشَدُّ الناس ذُعْرًا، لِقَوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا}؛ لأنَّ عِندهم ذُعْرًا من هؤلاء الذين دخَلوا من أَقطارها.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قُرْب المُنافِقين من الكُفْر والشِّرْك، لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سُئِلُوا

<<  <   >  >>