للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا الدُّنيا كلُّها بالنِّسبة للآخِرة ليست بشيءٍ، قال اللَّه تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: ١٦ - ١٧]، وأَخبَر النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن: "مَوْضِع سوْطِ الْإِنْسَانِ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" (١)، فالمَتاع في الدُّنيا في الحقيقة ليس بشيء بالنسبة لوَقْت الآخِرة، ولهذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.

ثُمَّ هناك شيءٌ آخَرُ: أنَّهم لو قُتِلوا في سبيل اللَّه تعالى فإنهم قُتِلوا ولكنهم أحياءٌ قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٥٤].

هذا القَوْلُ باللسان نُهِينا عنه وحتى الظَّنُّ بالقَلْب نُهِينا عنه، قال عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩]، فلا يَجوز القولُ ولا الحُسْبان بأن مَن قُتِل في سبيل اللَّه تعالى يَكون ميتًا، بل هو ميت البدَن، لكنه حيُّ الرُّوح حياة بَرْزخية، وليست كحياة الدُّنيا، ولو كانت كحَياة الدُّنيا ما جاز أن يُدْفَن هؤلاء؛ لأنا لو دَفَنَّاهم وهم أحياءٌ كالحياة الدُّنيوية لكنا قد قتَلْناهم وأَهلَكْناهم.

وبهذا نَعْرِف ضَلال مَن قالوا: إنهم أحياءٌ يَسأَلون لك إذا سأَلْتَهم أن يَدعوا اللَّه تعالى لك، ويُجيبونك ويَتوَصَّلون بهذا الشيءِ إلى الإشراكِ بهمْ وبالأنبياء وبمَن يَزعُمونهم أَولياءُ، لأَجْل تعميم الأحوال كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [الجمعة: ٨]، أو يُقال أيضًا لهؤلاء الذين جاؤُوا للقِتال


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل اللَّه، رقم (٢٨٩٢)، من حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>