للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلو قال قائِل: هذه الآيةُ تَنفِي العمَل بالسبَب؟ .

فالجَوابُ على ذلك أن نَقول: إذا كان العمَل بالسبَب مُبطِلًا لحُكْم شَرْعه، فإنه لا يَجوز كهذه الحالِ، فإبطال الأَسْباب القدَرية بانتِهاك الأحكام الشَّرْعية هذا لا يَجوز، يَعنِي: أن يَترُك الإنسان الحُكْم الشَّرْعيَّ الواجِب خوفًا من آثاره هذا ليس بجائِز، لكن سببٌ حقيقيٌّ مَأذونٌ فيه شرعًا يُفعَل أم لا؟

الجَوابُ: إذا كان سبَبًا حقيقيًّا مَأذونًا فيه شَرْعًا فلْتَفعَلْه، فما نَقول للرجُل: إذا رأيت النار مُقبِلةً عليك فقِفْ لا تَفِرَّ، لا يَنفَعُك الفِرار! ! هذا ليس بصحيح، بل نَقول في هذه الحالِ: فِرَّ؛ لأن هذا سببٌ مُبَاح مَأذون فيه شَرْعًا وسبَب حقيقيٌّ، لكن بأن نَجعَل الأسباب مُعطِّلة للأحكام الشرعية هذا لا يَجوز.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بيان نُفُوذ حُكْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الشَّرْعيِّ والقدَريِّ، أمَّا القدَريُّ فلا إرادةَ لك فيه، وأمَّا الشَّرْعيُّ فلك فيه إرادة؛ ولهذا نَقول: بالنسبة للشَّرْعيِّ وجوبُ تَنْفيذ حُكْم اللَّه الشَّرْعي؛ لأن اللَّه تعالى عاب هؤلاء الفارِّين؛ لكون فِرارِهم يَتَضمَّن إِسْقاطَ حُكْمٍ شَرْعيٍّ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن البَقاء في الدنيا وإن طال فهو قليل؛ لقوله تعالى: {وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}، وقد قال اللَّه تعالى في آيةٍ أخرى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: ٧٧].

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: تَوْبيخ هَؤُلاء الذين فرُّوا للتقاء على حياتهم؛ أو للإِبْقاء على حياتهم يُؤْخَذ من أَمْر اللَّه تعالى نَبِيَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَقول لهم: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ}، وهذا لا شكَّ أنه على سبيل التَّوْبيخ لهم؛ ولهذا قال تعالى: {وَإِذًا} يَعنِي: لو فرَرْتم ونجَوْتم من هذه الحادِثةِ لا تَنجُون من الموت،

<<  <   >  >>